كنت أريد أن أكتب مقدمة الكتاب، و لكنى وجدت أنه من الأفضل أن أفسح المجال أولاً لرجل الله الموهوب "مودى" أن يحدثنا قبلاً: قال: فى سنة 1867 كنت أعظ فى مدينة دبلن بأيرلندا ، فى قاعة فسيحة ، و بعد انتهاء الخدمة جاءنى شاب يبدو من شكله أنه لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره و أظهر رغبته فى أن يصحبنى إلى أمريكا ليبشر بالإنجيل ، فلم أعطه جواباً قاطعاً . و بعد ما وصلت إلى شيكاغو استلمت منه خطاباً يخبرنى فيه أنه وصل إلى نيويورك و أنه سوف يحضر عندى ليقوم بالخدمة.
إننا مدينون كثيراً بالشكر لله لأنه حتى في عالم اليوم يوجد أولئك المؤمنون الذين اجتذبتهم محبة المسيح الحلوة فامتلأت قلوبهم بالأشواق الملتهبة نحوه، وإنه لمثل هؤلاء ُيقدم نشيد الأنشاد خدمة خاصة. وتعتبر الشركة الروحية مع الرب في مخدع القلب أمراً مقدساً جداً، ومن ثم يجب أن تبقى سراً مكتوماً، لكننا نجد في "نشيد الأنشاد الذى لسليمان" أن الله بنفسه ـ بإعلان خاص ـ يميط اللثام عن ملء هذه الشركة المقدسة الحلوة لكى يقودنا لمعرفة سبل المحبة، وفي نفس الوقت يحثنا على السلوك فيها.
منذ سنوات أصدرت " لجنة خلاص النفوس للنشر " كتاباً عن حياة "لليان تراشر" . وبعد فراغى من قراءة هذا الكتاب لمعت أمام عينىّ الآيتان الواردتان فى (2تى 2 : 20 و 21) " وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ. فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ. " . فلقد كانت لليان تراشر بحق اناء للكرامة نافعاً للسيد .
هنالك الكثير من النواحي الحسية والعاطفية فيما نسميه التديّن، والقليل، بل القليل جداً، فيما يجب أن تكون عليه الحياة المسيحية العملية. ذلك لأن الشجرة ليست جيدة، والمساكن الداخلية ليست نقية، وقانون المسيح في القول والفعل ليس سائداً تماماً على الكيان. فالناس يريدون أن ينالوا غفرانا مجانياً اشتراه الرب بدمه، ولكنهم قلما يدركون أنه هو الملك الذي يحكم على الحياة الفردية وأوامره ينبغي أن تطاع بحذافيرها.
يقدّم هذا الكتاب شيئاً من مفهوم "ني" الشخصي عن الحياة المسيحية في ختام تلك السنوات الأولى التي قضاها في خدمة مستمرة لسيده. وخلال العشرين عاماً التي تلت، مرت الكنيسة في الصين بفترات متكررة من الاضطهاد المرير، وقد كان للمؤلف ولكثير من شركائه في العمل والشهادة نصيب وافر من الاختبارات القاسية حتى اليوم. ولا عجب أن نجد أن خدمته تصلنا اليوم جديدة وقوية، وقد أعترف الكثيرون بالتغيير الذي حدث لهم إثر قراءتهم لهذا الكتاب لما وجدوه من اكتشافات جديدة عن عظمة المسيح وعمله الكامل على الصليب.
هذه لمحات من سير أعاظم الرجال في الكتاب المقدس:ويعتبر المؤلف أشهر من كتب عظات تاريخية، بأسلوب جذاب رائع، يرفع القارىء على متن الخيال الروحي، المبنى على الحقائق الكتابية. وينتقل بالإنسان من مشهد بصورة لا تنتقص من الواقع التاريخي، بل تضفى عليه نورا امتلألئا لتفهم هذه الشخصيات المتعددة. و هو يلم بأشتات حوادث كل شخصية، فيبرز لنا دقائق الصورة واضحة جلية، وكأنها رواية خيالية تأخذ بمجامع الفكر، وفي الوقت ذاته تأتى كتفسير عميق.
فى الصفحات القادمة يقدم لنا الكاتب والصحفى الإنجليزى هـ. ف. مورتون انطباعاته وذكرياته عن رحلة قام بها فى الأراضى المقدسة حينما حاول أن يتتبع خطوات السيد المسيح من بيت لحم إلى الجلجثة، بلا مرشد بين يديه سوى نسخة من الكتاب المقدس. وخلال العصور الطويلة قام آلاف من المسيحيين بمثل هذه الرحلة، ولعل أقدم محاولة من هذا النوع هى تلك التى قام بها العلامة الاسكندر صديق أوريجانوس سنة 292م فى أثر خطوات السيد المسيح والتلاميذ والانبياء.
تأملات وإختبارات ومشاهدات وآراء وأفكار وتعاليم: تحت عنوان هذا الكتاب ـ (من شهر إلى شهر) ـ حفلت مجلة (رسالة الخلاص) على مدار عشر سنوات تقريباً ـ من سنة 1958 إلى سنة 1968 ـ بمجموعة مقالات مباركة تتضمن خلاصة آراء وأفكار ومشاهدات وتأملات الأخ المحبوب، والراحل العزيز، الدكتور ماهر فهمي مؤسس (لجنة خلاص النفوس للنشر)
عندما دراستنا لنواحي النشاط المختلفة في الخدمة المسيحية ينبغي أن نبدأ بالعمل الفردي لأنها خدمة يستطيع كل مؤمن أن يقوم بها، فضلا عن أنها طريقة فعالة لربح النفوس. أندراوس وجد يسوع ، وعن طريق العمل الفردي جاء أندراوس بأخيه بطرس. لم يذكر لنا الكتاب أن أندراوس ألقى بعض العظات الروحية الرنانة ، لكنه بكل تأكيد عمل شيئا عظيما إذ ربح أخاه بطرس للمسيح. وعندما وعظ بطرس يوم الخمسين ربح ثلاثة آلاف نفس للمسيح.