ما أكثر الموازين التي يستخدمها البشر لوزن الأمور ولتقييم الأشخاص، وما أشد قابليتها للتغير من وقت إلى آخر ومن حالة إلى أخري ومن شخص إلي آخر. لذلك فإن الذين يصفهم البعض بالكمال والصلاح قد يصفهم آخرون بعكس ذلك، بل أن أولئك أنفسهم قد يغيرون رأيهم في لحظة، وقد تتبدل نظرتهم للأمور مع تبدل الظروف، فتتبدل القيم، وتنقلب الموازين، وتتغير الأحكام. لكن الله ليس كالبشر، والقدير ليس كبني آدم. طرقه ليست كطرقنا، وأفكاره ليست كأفكارنا، بل كما علت السماء عن الأرض هكذا علت طرقه عن طرقنا وأفكاره عن أفكارنا.
هو وحده الكامل في كل شيء: كامل في عدله، ثابت في قضائه، ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، لا يحابي بالوجوه، ولا يعوج القضاء. ولكونه كاملاً فقد وضع موازين ثابتة يزن بها كل إنسان، وناموساً كاملاً يحاسب بمقتضاه كل البشر. ترنم به داود في القديم فقال : «نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ» (مز 19: 7، 8). ولقد أعطانا الرب هذا الناموس الكامل، في صورة مبسطة ومركزة، في عشر وصايا كتبها بأصبعه المباركة على لوحي حجر، وأعطاها لموسي على جبل حوريب.
تأليـف: د.ل. مـودى
المعرب: القمص مُرقس دَاودُ