للتنمية الروحية

لماذا لا يغسل المسيح وتلاميذه أياديهم قبل الأكل؟

سألنى صديقى المتشكك:

تعجبت جدًا عندما رأيت عادة المسيح وتلاميذه فى موضوع الطعام. لأنهم يرفضون أن يغسلوا أياديهم قبل الأكل. وهناك ثلاثة مواقف تظهر هذه الفكرة التى تتعارض مع القواعد الصحية الصحيحة بغسل اليدين قبل الأكل وبعده.

1- أتى كتبة وفريسيون ورأوا التلاميذ يأكلون خبزًا بأيد دنسة أى غير مغسولة، فلاموهم (مر7: 3). فكان على التلاميذ أن يغسلوا أيديهم أولًا قبل أن يأكلوا لكنهم رفضوا هذا، بل واستمروا فى الأكل ودافع المسيح مشجعًا إياهم على فعلتهم. فهل من الطبيعى والصحى لهم أن يأكلوا دون أن يغسلوا أيديهم أولًا؟

2- اجتاز التلاميذ بين الزروع "وعندما جاع تلاميذه ابتدأ تلاميذه يقطفون السنابل وهم سائرون" (مر2: 23) وهنا وللمرة الثانية نرى التلاميذ يضعون الطعام فى أفواههم دون أن يغسلوا أيديهم وأيضًا دافع عنهم المسيح فى هذا الأمر.

3- والموقف الثالث اختص بالمسيح وحده. لقد دعاه فريسى ليتغدى عنده "أما الفريسى فلما رأى ذلك تعجب أنه لم يغتسل أولًا قبل الغذاء" (لو11: 38). ومن هذه المواقف أرى عادة غير صحية بالمرة للأكل دون غسل الأيادي. فهل لا يتبع المسيح العادات الصحية الطبيعية بغسل يديه قبل الأكل وبعده وهل على أتباع المسيح العمل بذات المبدأ، فلا يغسلون أياديهم قبل الأكل. ألا يسيب لهم عدوى ميكروبية ونزلات معوية ويضر بالصحة العامة وما الضرر فى ذلك؟؟!

الرد:
عند قراءة النصوص الكتابية وبالأخص من (مر7) بدقة نجد أن الموضوع لا يتعلق بالعادات الصحية. ولا يمت بالنظافة الشخصية بصلة. لكن الأمر يخص عادات فريسية نحتاج أن نفهمها لنرد على هذا الادعاء الكاذب.

أولاً: الفكر الفريسى للاغتسال

إن الفريسيين لهم طائفة من الطوائف اليهودية الثلاث وهم (الفريسيون والصدوقيون والأسينيون) وتميز الفريسيون بأنهم الأضيق فى التعليم والتدقيق فى وصايا الناموس وأضافوا إليها كثير من الوصايا الأخرى التى قالوا عنها إنها منقولة شفاهيًا عن موسى وسجلوها فى كتبهم المشنا والتلمود. بل وأعطوا هذه الوصايا نفس قوة وسلطة الناموس المسجل فى أسفار موسى، بل وميزوها عن الناموس حتى أن بعض هذه الوصايا كانت تناقض الناموس نفسه كما كشف الرب يسوع عن هذا أمامهم (مر7: 9- 12).

ويشرح الوحى المقدس بفم مرقس الإنجيلي: "لأن الفريسيين وكل اليهود إن لم يغسلوا أيديهم باعتناء لا يأكلون متمسكين بتقليد الشيوخ ومن السوق إن لم يغتسلوا لا يأكلون" (مر7: 3، 4).

والاغتسال فى المشنا ليس المقصود به النظافة الشخصية الصحية. فهذا أمر لا يحتاج إلى شرح أو توضيح. لكن الاغتسال هنا طقسى ويعنى التطهير من النجاسة. لأن كل من يلمس أمميًا أو وثنيًا يكون قد تنجس ويحتاج إلى غسل أيدى بطريقة معينة حتى مرفق اليد. لهذا أكل التلاميذ بأيدى دنسة لا يعنى أيدى غير نظيفة، لكنها غير طاهرة لأنها تلامست مع الأمم فى الشارع والسوق. لقد علّم الرب موسى الاغتسال للكهنة كعلامة للتطهير فى المرحضة الموجودة أمام القدس فى وسط خيمة الاجتماع قبل دخولهم إلى القدس للخدمة. فهو اغتسال طقسى كرمز لطهارة الجسد، واستشهد كاتب العبرانيين بهذا "لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد" (عب9: 13).

فالأمر يتعلق بالتطهير الطقسى الخارجى، لكن وبخهم المسيح على هذا لأنهم اهتموا بهذا التطهير الخارجى تاركين النجاسة فى القلب والكيان والفكر، لهذا كان رده عليهم: "ليس شئ من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه لكن الأشياء التى تخرج منه هى التى تنجس الإنسان" (مر7: 15). "لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة، زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل" (مر7: 21، 22). فالمسيح كان ومازال يطالب بطهارة القلب والفكر قبل أن نتحدث عن طهارة الشكل والأيادي. لقد علمهم أن الداخل أهم كثيرًا جدًا من المظهر الخارجى فالله فاحص القلوب يريد أن يطهر القلب والكيان والضمير ولهذا أتى يسوع ليقدم هذا التطهير ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية.

ثانيًا: فتح باب الخلاص للأمم

كان الفريسيون يغسلون أياديهم عند الذهاب إلى السوق أو عند التعامل مع البشر الأمم لاعتقادهم بنجاسة الأمم لأنهم هم وحدهم المقدسون "لكن أتى يسوع المسيح فى ملء الزمان لكى يقدم خلاصه الثمين لكل البشر، لهذا كتب يوحنا: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله أما كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه" (يو1: 12).

وقد علّم الروح القدس بطرس هذا الدرس فى الملاءة النازلة من السماء وطلب منه أن يذبح ويأكل وكان درس السماء: "ما طهره الله لا تدنسه أنت" (أع 10: 15). وعندما ذهب إلى بيت كرنيليوس الأممى أعلن هذا الدرس: "أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودى أن يلتصق بأحد أجنبى أو يأتى إليه أما أنا فقد أرانى الله أن لا أقول عن الناس ما إنه دنس أو نجس" (أع10: 28). لهذا قد فتح المسيح باب الخلاص والحياة الأبدية لكل العالم دون تمييز بين يهودى أو أممى بين عبد وحر "لأنه هكذا أحب الله العالم- كل العالم- حتى بذل ابنه الوحيد" (يو3: 16).

لهذا لم يعد فى عيون المسيح إنسانًا نجسًا، لكن الكل يحتاج إلى خلاص المسيح بعمله الكفارى فى المسيح فيصير خليقة جديدة.

ثالثًا: هل كان يغتسل المسيح بالماء كأمر صحى؟

بالطبع نعم وإن لم يهتم الوحى المقدس بهذه التفاصيل الطبيعية لأن الكتاب المقدس ليس كتابًا لتأريخ حياة المسيح الجسدية، لكنه يهدف إلى نقل تعاليمه ومعجزاته "لكن هناك بعض الشواهد التى توضح لنا هذا الأمر:

1- دخل المسيح عرس قانا الجليل وكان هناك ستة أجران ممتلئة ماء للتطهير، لكن فى منتصف العرس فرغت الخمر. لكن أيضًا فرغت الأجران الستة الموضوعة فى البيت للتطهر. فهذا يعنى أن كل المدعوين اغتسلوا قبل أن يأكلوا ويشربوا ومعم أيضًا المسيح وتلاميذه. فهذا يعنى اغتساله للنقاوة والصحة (يو2).

2- يشرح لنا الرسول يوحنا إن المسيح قام عن العشاء وغسل أرجل التلاميذ وهذا ما يقوم به العبيد دائمًا مع سادتهم لكى يعلمهم الاتضاع والغفران فى هذا الموقف "صب ماء فى مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التى كان متزرًا بها" (يو13: 5). فكان المسيح وتلاميذه معتادين على وجود الماء والاغتسال الصحى الطبيعى للأيادى والأرجل، لكن أعود لأوكد أن التلاميذ بقيادة الروح القدس لم يهتموا بتسجيل تفاصيل حياة المسيح الشخصية كإنسان طبيعى مثلنا لأن الهدف الحقيقى للرسالة هى توصيل رسالة الإنجيل التى تعلن لنا عن أن حياة يسوع المسيح تؤكد أنه الله المتجسد الظاهر فى الجسد. كما أنه صُلب ومات وقام فى اليوم الثالث وصعد إلى السموات وسيأتى ثانية كما رأوه منطلقًا إلى السماء. هذه هى رسالة الإنجيل التى حملوها فى قلوبهم وأعلنوها بكلماتهم وشهادتهم وماتوا شهداء لأجلها.

د. إيهاب ألبرت


طباعة   البريد الإلكتروني

أحدث الاضافات

logo

المقر الرئيسي - جمعية شبرا

العنوان : 12 ش قطة – شبرا- القاهرة

التليفون : 27738065 2 02+

بريد الالكتروني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تجدنا في الفيسبوك

الانضمام إلى قائمة المراسلات

ادخل بريدك الإلكتروني للاشتراك في قائمة البريد الإلكتروني

الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.
الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.

بحث...