للتنمية الروحية

هل كان الرسول بولس شخصًا تصادميًا ؟

سألني صديقي المتشكك:

أعرف أن الرسول بولس شخصية رائعة استخدمها الرب في انتشار رسالة الإنجيل في العصر الأول منها. كما أنه فيلسوف المسيحية، حين أعلن في رسائله عن الخلاص بالإيمان بنعمة الله والتبرير والتقديس واختطاف الكنيسة في المستقبل.. لقد أعلن له الروح القدس كثيرًا من حقائق رسالة الإنجيل.

لكن ألا ترى معي أنه كان شخصًا تصادميًا ؟ كان في غضبه يخاصم ويهجر بل وقد يؤذي. لم أر فيه الحب الذي علمنا إياه المسيح وأوضح هذا في موقفين واضحين يذكرهما لنا الوحي:

1- عندما ذهب بطرس إلى أنطاكية، حيث كان بولس وبرنابا، يدعيان الكنيسة التي أسساها هناك. وكضيف كريم مثل هذا وهو مقدام الرسل يجب أن يقدم له بولس الاحترام والتقدير، فمهما كان، فبطرس تلميذ من الذين اختارهم المسيح ويليق به الاحترام والتقدير. لكن ما حدث هو عكس ذلك، حيث يحكي الرسول بولس قائلاً: "ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكيه قاومته مواجهة لأنه كان ملومًا لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفًا من الذين هم من الختان وراءى معه باقي اليهود أيضًا حتى أن برنابا أيضًا انقاد إلى ريائهم" (غلا2: 11-13)، فكيف يليق ببولس الذي هو بالنسبة لهم حديث العهد بالإيمان أن يتحدث مع بطرس التلميذ الذي أعلن له الرب "أنه على هذه الصخرة ابني كنيستي" بهذه الطريقة؟!
2- ذهب بولس مع برنابا. وهو التلميذ الذي شجعه منذ بداياته. في الوقت الذي فيه خاف كل التلاميذ من انضمام بولس أخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وحدثهم كيف أبصر الرب" (أع9: 27)، وبعد أن ذهبا معًا في الرحلة التبشرية الأولى وخدما معًا لفترة طويلة ثم عادا لكي يذهبا معًا في الرحلة الثانية، فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر" (أع15: 39). فهل يليق بالرسول بولس أن يتشاجر مع برنابا ويفترقا ويخسرا خدمتهما بعد أن عاشا معًا سنوات طويلة.

هل هذه هي محبة المسيح التي علمنا إياها ؟ ألم يكن بولس مخطئًا، بل تصادميًا وغضوبًا في ردود أفعاله مع هذين الموقفين.

الرد:

يجب أن ندرك التغيير الجذري الذي حدث في حياة الرسول بولس عندما تقابل مع المسيح في طريقة إلى دمشق لاضطهاد المسيحيين الذين ينادون بالمخلص العجيب الذي مات وقام. يشهد هو عن نفسه "كنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي" (غلا1: 14). وقد كانت تقليدات الآباء هي التعاليم الشفهية عن العهد القديم المعروفة عندهم باسم "هالاكه" وهي مجموعة من تفاسير الناموس التي صارت تحمل ذات سلطان الشريعة والتوراة أو أعظم منها. وقد كانت تنظيماتها معقدة وثقيلة على نحو يحتاج إلى شخص مدقق جدًا حتى لا يخطئ في واحدة منها.

وحارب بولس المسيحيين لأنهم أتوا بعقيدة جديدة تختلف عنه وهو الذي عاش "حسب مذهب عبادتنا الأضيق عشت فريسيًا" (أع26: 5).

هذه هي الخلفية الروحية التي أتى منها الرسول بولس، متدربًا عند رجل غمالائيل أعظم معلمي الناموس.
لكن بعد أن تقابل مع المسيح انتقلت هذه الغيرة والحماسة إلى عبادة الإله الحي شخص الرب يسوع المسيح الذي قابله بنفسه في طريق دمشق وبعدها ذهب إلى صحراء الأنباط في العربية (غلا1: 17-18)، ثم عاد إلى أورشليم ليكرز بيسوع المسيح المخلص وتقابل مع بطرس وقضى معه 15 يوم لكي يراجع معه إيمانه المسيحي وهناك وافقوا على إيمانه وفكرة "بل بالعكس إذ رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان.. فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون للأمم أما هم فللختان" (غلا2: 7-9).

هذا لا يعني أن هناك إنجيلين بل هو إنجيل واحد بيسوع المسيح مقدم لليهود ومنهم من رأى أنه لا مانع من الختان الذي هو العهد بين الله وإبراهيم. وهو أيضًا مقدم للأمم ولكل البشر دون أن يجبروهم على أن يتهودوا أو يختتنوا أو يحفظوا الناموس لأن خلاص المسيح مقدم للكل بالنعمة "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أف2: 8-9).

واجتمع كل قادة الكنيسة في المجمع الأول المذكور في (أع15) واتفق كل الرسل على هذا الحق وأرسلوا بولس وبرنابا إلى كل أوروبا في أنطاكيا (تركيا حاليًا) وسورية وكيليكية وكورنثوس وأفسس وكل المدن ليعلنوا أن لا داعي للتهود أو لممارسة الناموس لأن خلاص المسيح بالنعمة. وكتب الرسول بولس رسالة رومية ليشرح لهم كيف صار بر الله لنا بيسوع المسيح لا بأعمال الناموس.

كتبت هذه المقدمة التاريخية المهمة لكي نفهم محتوى رسالة بولس لكل الأمم لذلك دعي رسول الأمم.

أولاً: مقاومة بطرس

كيف يقاوم الرسول بولس بطرس الرسول. لأن بطرس كان يأكل مع الأمم في أنطاكية الأممية. ولكن عندما أتى مجموعة من اليهود المتشددين المؤمنين بالمسيح أفرز نفسه وصار وراءهم. لم تكن هذه حكمة أو مجاملة لكن لاحظ أن موقف بطرس يهدم فكر الإنجيل المقدم بالنعمة لكل الأمم واليهود ويعيد المؤمنين إلى التفرقة بين كلا الفريقين (اليهود والأمم).

لهذا لا بد أن يقاومه ويواجهه بولس لأن ذا يعرض الحق الكتابي ورسالة الإنجيل للخطر، فقام بولس كأسد للدفاع عنه.

هل هذا الموقف ينطبق عليه قول المسيح: "إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما" (مت18: 15)؟ بالطبع لا.. لأن خطأ بطرس موجه للإيمان المسيحي وليس لبولس شخصيًا، بل هو خطأ ضد الحق الإلهي الذي أعلنه التلاميذ من مجمع أورشليم الأول في (أع15).

ولهذا لم يخطئ بولس بل كان على حق. ولأن الخطأ كان أمام الجميع ويمس الجميع. فكان لابد من تصحيحه أمام الجميع أيضًا ليثبت الكنيسة كلها على حق النعمة الغنية المقدمة لكل البشرية.

ثانيًا: مشاجرته مع برنابا

هل كلنت هناك مشاجرة بين برنابا و بولس؟. يقول الكتاب: "فحصل بينهم مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر" (أع15: 39).

أتت كلمة مشاجرة في ترجمة (kj) Contention وهي تعني في القاموس (خلاف.. رأي يجادل المرء لسببه). لقد اختلفا في الرأي وكل منهم محق في وجهة نظره. فرأى برنابا أن نشجع يوحنا مرقس نأخذه معنا في الرحلة التبشيرية الثانية. لكن بولس رأى أن يوحنا مرقس تركهم في منتصف الرحلة الأولى ويبدو أنه كان غضًا، فعطلهم وطلب الرجوع. وهذا الخلاف لا يفسد للود قضية. لهذا افترقا وأخذ برنابا مرقس وسافر به إلى قبرص. وبولس أخذ سيلا وانطلق.. وأظن أن هذا كان الاختيار الأفضل، لأن سيلا كان واعظًا مفهومًا ولهذا كان سندًا لبولس في الرحلة. كما أنهم تعرضا في هذه الرحلة للضرب والسجن في فيلبي وهذا ما لم يكن يحتمله مرقس. لهذا استخدم الله هذا الخلاف بحكمته ليصيرا فريقين وأيضًا لأن مرقس لن يحتمل الضرب والسجن في فيلبي.

الدرس الأخير الذي نحتاج أن نتعلمه:

1- لا بد أن نعلم أن هؤلاء الرسل بشر مثلنا وهم معرضون للخطأ، كطبيعة البشر ولهذا نتعلم منهم ونرى فيهم كل ما هو صالح. ونتحذر من الأخطاء التي سقطوا فيها.

2- هذا يؤكد صدق الوحي المقدس وعدم تحريفه لأنه لم يحذف أخطاء الأنبياء والرسل بل أوضحها بكل أمانة.

3- نحتاج أن نرى قلب الرسول بولس ومحبته في التعامل مع رعيته. فيقول: "إن الله شاهد لي كيف أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح" (في1: 8).

وكلمة أحشاء.. هي إعلان عن العواطف الشديدة وهي أقوى كلمة يونانية في التعبير عن المحبة ذات الحنان والشفقة، بل كان يقدم الحب حتى لمن لم يبادلوه إياه فقال: "وأما أنا فبكل سرور أنفق وأُنفق لأجل أنفسكم وإن كنت كلما أحبكم أكثر أحب أقل فليكن" (2كو12: 15).

لقد قدم بولس حياته لأجل المحاماة عن الإنجيل ولكي يكرز بهذه الرسالة في كل أوروبا. هذا القلب الكبير الذي قدم لنا وحيًا مقدسًا عبارة عن 14 رسالة تعلن لنا عن فلسفة الإيمان المسيحي والخلاص بالإيمان.

د. إيهاب ألبرت


طباعة   البريد الإلكتروني

أحدث الاضافات

logo

المقر الرئيسي - جمعية شبرا

العنوان : 12 ش قطة – شبرا- القاهرة

التليفون : 27738065 2 02+

بريد الالكتروني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تجدنا في الفيسبوك

الانضمام إلى قائمة المراسلات

ادخل بريدك الإلكتروني للاشتراك في قائمة البريد الإلكتروني

الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.
الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.

بحث...