ما هي العلاقة بين صلواتنا لله وغفراننا للآخرين؟
سألني صديقي المتشكك:
هناك بعض النصوص الكتابية التي تحوي كلمات بفم الرب يسوع المسيح نفسه، لا يمكن فهمها أو فهم سر التتابع والتنقل من فكرة إلى أخرى.. لكني أجده ينتقل من فكرة إلى أخرى دون رابط بينهما أو حتى سبب لهذه النقلة الفكرية.
فمثلاً في (مر11) تحدث السيد في العدد 22 "ليكن لكم إيمان بالله"، ثم عدد 24 "لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ". على أن الإيمان هو الشرط الأساسي لصلواتنا. وإلى هذا الحد، فالأمر معقول. لكنه يستكمل الحديث بالقول في عدد25: "وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَلاَتِكُمْ" (مر11: 25)، وأجد في هذه الكلمات ثلاثة أمور ليس لها علاقة ببعضها البعض. فالحديث عن الصلاة كأساس العلاقة بين الإنسان والله. والغفران هو فضيلة في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان. ثم يربط غفران الإنسان لأخيه المبني على فضيلة التسامح وسماحة النفس. فالصلاة ليس لها علاقة بالغفران الأخوي. والغفران الأخوي ليس له علاقة بالغفران الإلهي. فكيف يمكن أن نضع كل هذه الأمور في فكرة واحدة وعدد واحد؟ ألا ترى أن هذا خلط للأمور ووضعها في غير مكانها وتنقل بين أفكار مختلفة في غير أوانه؟
الرد:
أرى أن هذه الآية التي تتحدث عنها هي من أعمق النصوص الكتابية التي يسجلها لنا الوحي المقدس، نقلاً عن كلمات الرب يسوع المسيح التي تفوه بها أمام تلاميذه وعلمهم إياها لكي ندرك مدى عمق التشابك الداخلي في علاقتنا بالله مع علاقتنا بالناس.
كثيرًا ما تحدثنا عن الصلاة كركن أساسي من أركان العبادة لله. كما أيضًا نتحدث عن الغفران الإلهي المقدم لنا في شخص يسوع المسيح على حساب دمه الكريم المسفوك لأجلنا "الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا" (كو1: 14)، لكن نحتاج أن نفهم علاقة الغفران الأخوي بين بعضنا البعض بصلواتنا وعلاقته أيضًا بغفران الله الأبوي لنا.
صلوات بالغفران
يعلن الرب يسوع عن أن صلواتنا لا بد أن تكون مصحوبة بالغفران الأخوي فقال: "وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَلاَتِكُمْ" (مر11: 25). لهذا لا بد أن نربط بين الصلاة المقدمة لله وبين الغفران الأخوي بعضنا مع بعض في أربعة أمور:
أولاً: الغفران الأخوي يجهز القلب للصلاة:
فالقلب المليء بالألم والضغينة لا يستطيع أن يصلي والقلب المتألم والمجروح من إخوته يصعب عليه أن يتكلم مع الله. فالجراح النفسية الداخلية تقفل القلب أمام رفعته في صلاته لإلهه، لهذا نتعجب كيف استطاع يوسف أن يحفظ علاقته بإلهه قوية، بالرغم من الظلم والألم الذي تعرض له من إخوته ومن سيده فوطيفار. إنه الغفران الذي جعله شخصًا ناضجًا وصاحبًا لصحة نفسية تمكنه من أن يغفر ويقف أمام إلهه في علاقة حية قوية تدفعه للنجاح في كل شيء. فالصلاة المشبعة لقلب الله تحتاج إلى قلب صافٍ غير مشغول بالناس ولا ممتلئ بالكراهية والبغضة. لكن تنبع الصلوات وتنمو في تربة صفاء القلب والقلب يصفو بالغفران.
وقد يفسر لنا هذا الأمر، لماذا لا نشتاق إلى الصلوات ولا نواظب عليها باستمرار؟
فقد يكون القلب مشحونًا بالكراهية والغيرة والجراح التي صنعها الناس. ولهذا يكون الحل الأمثل هو الغفران.
ثانيًا: الغفران الأخوي يمنحك الغفران الإلهي:
"لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم" (مر11: 25) "اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ" (لو6: 37). لا بد أن ندرك أن غفران الله لخطايانا مرتبط أساسًا بالتوبة الصادقه الأمينة عن خطايانا والرجوع للرب. كما أيضًا ترتبط بغفراننا لبعضنا البعض. لماذا؟. لأن هناك خطية في القلب تدعى (عدم الغفران). وهي خطية مانعة للغفران الإلهي. لا بد أن نتوب عن خطية عدم غفراننا لبعضنا ونقدم لبعض غفرانًا ولطفًا. لهذا علق السيد يسوع المسيح على الصلاة الربانية حين علمها لتلاميذه بالقول: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ" (مت6: 14-15)، ويعقب الباحث "القس جون ماك آرثر"، على هذه الآية بالقول: ليس المقصود أن الله سوف يسترد التبرير المجاني المقدم لكل المؤمنين، فالغفران الإلهي هو تبرير دائم وكامل من الذنب ومن عقاب الخطية لجميع من هم قد آمنوا بيسوع المسيح " الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ" (أف1: 7)، (رو8: 1).
لكن على المؤمنين أن يعترفوا بخطاياهم يوميًا لكي يحصلوا على الطهارة اليومية. وهو نوع من غسل الأرجل التي تلوثت بفساد الخطية وهذا ما يعطله عدم غفراننا لبعضنا البعض وهذا عقاب لكل من يرفضون أن يغفروا، كما أن عدم غفران الإنسان لأخيه يعني عدم التقدير وعدم الإدراك لغفران الله له. فتقديرنا للغفران الإلهي يجعلنا نغفر للناس زلاتهم. فكيف نطلب في صلواتنا الغفران الأبوي في الوقت الذي لم نقدم لإخوتنا غفراننا الأخوي لزلاتهم؟ هل تذكر مثل العبد الذي سامحه السيد بعشرة آلاف وزنة فضة وخرج من أمامه فرحًا لكنه أمسك برفيقه المديون له بمائة دينار وسليمه للسجن دون أن يرحمه، فأتى السيد وقال له: "أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟" (مت18: 32-33).
ثالثًا: الغفران يغير مفردات صلاتك:
تخيل صلاتك عندما تكون مشحونًا بالمرارة ضد الناس. ماذا ستقول؟ ماذا ستطلب لهم؟ لكن في غفرانك لمن حولك ستكون هناك صلوات محملة بالبركة والنعمة لهم ولك أيضًا وتطلب الفرح والسلام للكل. فلن نسمع في الصلاة دعاء بالحزن والألم وبالهزيمة والكسرة والبلاء والوباء. لكننا نقدم في الصلاة بركات وأفراحًا وسلامًا لكل الناس. فالغفران يغير مفردات اللغة فهكذا أمرنا السيد " بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ" (لو6: 28)، ثم يشرح الرسول بولس: "بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا" (رو12: 14). لهذا سيفيض قلبك بكلمات الخير والسلام عندما تغفر قبل أن تصلي.
دعونا نقدم صلوات بالغفران.. فالغفران أساس مهم في صلواتنا لإلهنا لكي ننال استجابة لصلواتنا.
د. إيهاب ألبرت