سألني صديقي المتشكك:
إن حياة المسيح تحيرني حقًا.. لقد أتى إليه المجرب.. إبليس عدو كل بر العدو الأول للبشرية وللرب أيضًا.. لكي يسأله بعض الأسئلة المهمة.. فكان أول سؤال هو: إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا (متى4: 3)، لقد كان هذا تحديًا صارخًا للمسيح.. كما أنه احتياج جسدي للمسيح للخبز.. فالتحدي مزدوج.. فلو كان ابن الله بحق فهو له سلطان أن يحول الحجارة إلى خبز، فكان على المسيح أن يعمل المعجزة ليثبت لإبليس وللجميع أنه ابن الله وهكذا يكون إعلانًا واضحًا عن ألوهيته.
كما أن التحدي الآخر في أن المسيح صام أربعين يومًا متتالية وجاع أخيرًا.
فما المانع من الحصول على خبز؟.. هل من الخطأ إشباع هذا الجسد؟.. ألا يبحث المسيح عن الخبز فيأكل ويشبع؟
لو كنت مكان المسيح لكنت حولت الحجارة إلى خبز، فشبعت وبرهنت أمام إبليس لاهوت المسيح.
لكن خذلتني إجابة المسيح.. لقد أجاب بآية من سفر التثنية في التوراة "لكي يعلمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان" (تث8: 3). لقد أطعم الله شعبه بالمن كي يعرف أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. فالطعام هو البرهان.. وليس الجوع هو البرهان.
لكن يسوع ردّد هذه الآية وظل جائعًا، فلماذا نأكل إذن ولماذا نطعم أجسادنا اليوم بما أنه لا يعطي حياة؟ فكلمة الله هي الحياة في الروح لكن ما المانع من الأكل بهذه الطريقة؟
الرد:
لكي نجاوب على هذا السؤال الذكي يا صديقي، فهناك كثير من الإجابات المقنعة والمنطقية التي تفسر لنا تصرف المسيح أمام إبليس الشرير.
أولاً: هل حقًا كان إبليس في حاجة إلى برهان لبنوية المسيح لله؟! لقد كان إبليس يدرك بل أقول يؤمن بحق أنه المسيح ابن الله الحي. لقد أعلن إبليس ذلك في كثير من المواقف. فسمعناه يقول: "مالنا ولك يا يسوع ابن الله أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟" (مت8: 29)، (مر1: 24)، (لو4: 34)، فإبليس يؤمن بأنه المسيح ابن الله. لكنه إيمان عقلي وإدراك ذهني دون إيمان قلبي. إذن لماذا يسأله هذا السؤال؟ كان الهدف هو إثارة غيرة وكبرياء المسيح ليقف أمامه ويحول الحجارة إلى خبز. ولن يقدم هذا برهانًا بل يكشف ضعفًا في شخصية المسيح. وحاشا له أن يكون هكذا. لأن مكمن القوة الذاتية في معرفة الحق والحياة بموجبه دون الحاجة لإعادة إثباته. فلو حول المسيح الحجر إلى خبز فهذا قمة الضعف. لقد حول المسيح الماء إلى خمر عندما كانت الناس في حاجة إلى ذلك لستر فقرهم أمام الجموع. لكنه لا يحول الحجر إلى خبز ليشبع جوعه هو. فهو صاحب مدرسة بذل الذات والاتضاع وليس الكبرياء.
ثانيًا: هل أتى المسيح ليعلن بنويته لله؟ لا.. لقد أتى المسيح لكي يتمم عمل الفداء الكفاري على الصليب. لم يكن الهدف هو إعلان إلوهيته مع أنه أعلنها بكلماته وحياته. لكنه كان يهدف إلى خلاص الإنسان من عبودية سلطان الخطية ليعطيه حياة أبدية "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16)، "لأن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليُخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مر10: 45).
فهو لم يأت ليعلن مركزه، بل ليقدم خلاصه للبشرية.
ثالثًا: كان المسيح يريد أن يعلن لإبليس ولنا عن سر الحياة الحقيقي.. فسر الحياة ليس في خبز. فالخبز يمكن أن يعطي حياة للجسد ويشبع الجسد فقط، لكن هناك ما هو أهم من ذلك. فهناك حاجة لإشباع الروح.. وهناك حاجة لحياة الروح.. فالروح لا تحيا إلا بكلمة الله أو بالحري بكل كلمة تخرج من فم الله وما المنفعة أن تشبع الجسد واماتت الروح.. لا شيء؟. لكن لو مات الجسد ونالت الروح حياة أبدية فهي باقية.
فالأبقى هو حياة الروح، لهذا قال السيد لمرثا أمام قبر أخيها: "من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو11: 25). فالأبقى هو حياة الروح وهي تأتي من كلمة الله ولاحظ دقة لفظ الوحي "بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت4: 4).
يحيا الإنسان بكل كلمة تخرج من فم الله. وما هي الكلمات التي تخرج من فم الله؟
1. الكلمة يسوع المسيح.. في البدء كان الكلمة واالكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.... والكلمة صار جسدًا وحل بيننا (يو1: 1-14).
2. الكلمة المكتوبة الحية وهي كلمة الحق التي شهد عنها الرسول بولس: "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1تي1: 15).
رابعًا: الأولويات: أراد يسوع المسيح أن يعلن الأولويات. فالخبز الجسدي يشبع الجسد، لكن الأهم هو كلمة الله التي تستحق كل اهتمام وبحث، فالله يريد أن يشبع أولاده فلا يقدم لهم حجارة لكي تكسر أسنانهم، بل يعطيهم كلمة حية يشبع قلوبهم.
خامسًا: ليست المسألة في مدى استطاعة وقدرة المسيح أن يفعل، لأن المسيح لم يأت ليفعل ما يريد، لكنه أتى لكي يفعل ما يريد منه الآب.
لقد أتى يسوع لكي ما يتمم مشيئة الآب لهذا صلى: "لكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لو22: 42)، "يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأجز عني الكأس ولكن ليكن لا ما أريد بل ما تريد أنت" (مر14: 36).
فالابن لم يأت ليصنع إرادته، بل إرادة الآب إياها يفعل، لهذا الأمرلا يحتمل فرد للعضلات كما أراد إبليس أن يستدرج المسيح. لكنها مشيئة الآب "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت".
سادسًا: لقد قدم المسيح معجزات كثيرة لإشباع الجموع يسجل منها الوحي المقدس مرتين. مرة لخمسة أرغفة وسمكتين ومرة أخرى سبعة أرغفة مع صغار السمك، لكنه لم يصنع ولا معجزة لخدمة ذاته. لقد خدم الجميع وقدم للجميع، لكنه لم يطلب شيئًا لذاته ولم يصنع معجزة واحدة لخدمة نفسه.
سابعًا: لا تقبل من إبليس أي فكرة لأن هذا المخادع والمراوغ يقدم لك فكرة تبدو لك لأول وهلة أن فيها خيرك، لكنه في الحقيقة يخفي السم في العسل ويطلب أن يدمرك. فهو لا يطلب خيرك بالطبع. لأنه يجول ملتمسًا من يبتلعه.
ثامنًا: ماذا لو كان المسيح سمع مشورة إبليس وحول هذه الحجارة إلى خبز؟ هل كان يؤمن إبليس حقًا ببنويته ويتوب ويرجع عن طرقه؟ بالطبع لا لكنه في هذه الحالة سيفتخر إبليس أنه استطاع أن يجبر المسيح على عمل معجزة لا فائدة منها، بل سنتعلم كيف نبحث عن الجسديات قبل الروحيات. فلنحيا للجسد قبل أن نحيا بالروح.
تاسعًا: لقد جاء المسيح حقًا. لكنه أعلنها لتلاميذه يومًا ما "أنا لي طعام لأكل لستم تعرفونه أنتم.. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو4: 32-34).
لقد كان طعامه في تتميم مشيئة الآب، لهذا لم يطلب ما لنفسه أو ما يشبعه بل طلب أن يهزم إبليس الذي لا يقدر أن ينال منه.
عاشرًا: العبرة بالنهاية.. لقد هزم المسيح إبليس عندما أجابه عن السؤال بالمكتوب.. وانتهت التجربة بأنه "فارقه إلى حين.." (لو4: 13)، وانتهت قضية إبليس أيضًا بمعركة الصليب وانتصر يسوع المسيح بموته وقيامته منتصرًا على كل قوات الظلمة وكان الإعلان الواضح، إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه (في الصليب) (كو2: 15). ولنا اليوم أن نعيش في شبع كلمة الله ونصرة يسوع المسيح أمام كل قوات إبليس. إلى أن يأتي اليوم الذي .
سيُطرح فيه إبليس وكل قواته في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت ونعيش نحن الأبدية في نصرة ومجد يسوع المسيح.
يمكنك يا عزيزي أن تعيش شبعان بكلمة الله ــ الكلمة شخص يسوع المسيح ــ وتنال به الحياة الأبدية
د. إيهاب ألبرت