سألني صديقي المتشكك:
لقد تعبت يا صديقي من الانقسام المستمر في جسد المسيح. لقد تعبت من الخلافات الكثيرة والمتجددة في الفكر المسيحي. كيف لي أن أتبع المسيح، بينما أرى كبار الخدام والمفسرين ودارسي الكتاب يختلفون على تفسير النصوص الكتابية.. وعلى تطبيقها.. يختلفون في الفكر ويتشددون فيه دون أن يسمع أحدهم الآخر؟!! بل بالحري يهاجم كل منهم أخاه ويحاربه! حتى أصبحت المسيحية تنقسم بل قل تتمزق لا إلى طوائف فقط، بل إلى مذاهب وحركات منشقة عن حركات أخرى وأسماء كثيرة تبحث عن تخليدها في الأرض دون أن تضع اعتبارًا لأحكام السماء ولا أن تضع أيضًا اعتبارًا لوحدة جسد المسيح!!
كيف لي أن أتبع المسيح وأنا أرى أتباعه يتسابقون ويتسابقون على نهش بعضهم البعض وتكذيب وتكفير بعضهم البعض، بل صار وصف منشق أو هرطوق أو كافر يطلق عبثًا على أي شخص مهما كان تاريخه أو خدمته أو موهبته؟ هل يمكن لي أن أتبع المسيح وسط هذا الجسد الممزق؟ أنا متعثر جدًا مما يحدث حتى أن هذه العثرات تدفعني إلى ترك القضية برمتها. ساعدني لأني أحتاج إلى كلمات تنزع حيرتي وتهدئ من روعي. بل وتزيل شكي في دوافع الخدمة وفي الخدام أيضًا رجال الله المباركين.
الرد:
أشفق عليك يا صديقي لأنك وصلت إلى هذه الدرجة من التشويش والتذبذب، لأني أظن أنك أعطيت أذنك أكثر لآراء البشر وكلماتهم دون أن تقرأ أكثر وأكثر من كلمة الله. لأنك سمعت من الخدام عن الله، لكنك لم توجه قلبك وأذنك لتسمع الله شخصيًا وهو يتحدث في كلمته الحية والفعالة ونوره المعنى في وجه يسوع المسيح الذي هو صورة الله.
فالإيمان الحقيقي يعني الوقوف على الصخر وعلى الأرض الثابتة التي لا يزحزحها فكر إنسان وكلمات بشر. الإيمان هو أن أقف راسخًا على كلمة الله التي هي ليست من تفسير خاص، بل هي كلمات أناس الله القديسين مسوقين من الروح القدس. لهذا يؤكد الرسول بطرس "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا" (2بط1: 19).
لهذا أوجز الرد على مشاعر العثرة والتشتت في كلمات مرتبة كالآتي:
أولاً: لا تضع عينك على البشر
فالبشر محدودون ليس في القدرة والقوة فقط بل في الفكر أيضًا. إن ظننت إن هناك من هو كامل فكريًا، فأنك قد وضعته في مرتبة الله. فالكمال لله وحده لا سواه. لهذا ضع عينك على يسوع المسيح وحده ولا سواه "نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ" (عب12: 2)، كما أن البشر أيضًا يخطئون. فهم يخطئون في الفكر وفي التعبير عنه "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا" (1يو1: 8)، لهذا لا تتوقع إن هناك إنسانًا مهما كان مركزه أو خدمته أو شهرته خالٍ من الأخطاء أو العيوب، فكلنا في الموازين إلى فوق.
ثانيًا: لا تتعثر من خطايا الآخرين
إن أخاك المخطئ يحتاج إلى من يحبه ويحتضنه ويصلحه. لقد علّمنا الرسول بولس فن إصلاح المؤمنين في كلمات موجزة ورائعة "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا" (غلا6: 1)، فالأمر يحتاج إلى روح الوداعة. كما أيضًا روحانية وخضوع للروح القدس وهكذا أيضًا يحتاج إلى اتضاع وفحص للنفس لئلا تكون أنت المخطئ. أو تكون مثله مخطئًا في ذات الفعل الذي يفعله هو.لكن يسوع المسيح الذي لم يفعل خطية هو مثالنا وقدوتنا، فلنعش مثله.
ثالثًا: لاتكن ديانًا للآخرين
عندما تشير على أخيك وتقول إني قد تعثرت من سقطته، فهذا يعطيني فرصة لكي أفعل ما يحلو لي مادام أخي الأكبر أو الخادم يفعل هكذا، فأنت تكون في هذه اللحظة قد ارتكبت ثلاث خطايا كبيرة:
1. إدانة أخيك "لا تدينوا لكي لا تدانوا".
2. الضعف والشك لأنك كيال للخطية.
3. تحاول أن تلقي مسئولية ضعفك وخطيتك على الآخرين.
رابعًا: الاختلاف في الشكل دون الجوهر
كل المؤمنين الحقيقيين يتفقون معًا في جوهر الإيمان المسيحي الذي يمكن تلخيصه في أربع نقاط:
1. الله واحد مثلث الأقانيم الآب والابن والروح القدس.
2. يسوع المسيح هو الله المتجسد الآتي إلى عالمنا ليصنع الفداء والخلاص.
3. مات المسيح من أجل خطايانا وقام من الأموات ليتمم خلاصنا ونحن نؤمن بأنه ليس بأحد غيره الخلاص.
4. نحن ننتظر مجيء عريسنا مرة ثانية ليأخذنا معه، وغذاؤنا هو كلمة الله التي بين أيدينا إلى أن تجيء.
لكن قد نختلف في شكل العبادة وطريقتها، لكن الجسد واحد وسيظل جسد المسيح واحدًا باسم يسوع، فنحافظ عليه.
خامسًا: الاختلاف الشكلي قد يعني التنوع
فالاختلاف في الرأي لا يعني الخصام والعراك، بل قد يعني التنوع. وقد يعني النقاش الإيجابي الذي يثري الفكر ويغذي العقل.
كثيرًا ما نقف أمام آية كتابية ونقرأ لها أكثر من تفسير، فهذا لا يعني الأختلاف لأن الجوهر واحد، بل يعني العمق وثراء الفكر، فقد نكتب ونعظ مئات المرات عن آية كتابية واحدة تحتوي مئات الأفكار، فهذا تنوع فكري وعمق كتابي لا نجده إلا في كلمة الله "لِكُلِّ كَمَال رَأَيْتُ حَدًّا، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا" (مز119: 96). كما أن أيضًا اختلاف الطوائف وتعددها لا يعني الانقسام، بل يعني التنوع. لقد قالها قداسة البابا تواضروس الثاني في تقديمه لمجلس كنائس مصر الذي يضم طوائف الكنيسة (إن الاختلاف يعني التنوع)، بل وأيضًا تعدد منافذ تقديم الخدمة والكرازة لهذا نحن نتبع مسيحًا واحدًا ونؤمن بإنجيل واحد وهدفنا المجد الواحد وخلاص نفوس الكثيرين.
لهذا دعونا ننتبه إلى رسالتنا وخدمتنا ليقف كل منا في موقعه الخدمي بشجاعة واجتهاد دون أن ننتبه إلى الاختلاف والانقسام، بل نبحث عن وحدتنا في المسيح.
سادسًا: تجنب المباحثات الغبية
لقد نصح الرسول بولس ابنه تيموثاوس بهذه النصيحة وأظن أنها كانت نبراسًا ومنهجًا في حياة تيموثاوس دفعه إلى النجاح "والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالمًا أنها تولد خصومات وعبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقًا بالجميع صالحًا للتعليم صبورًا على المشقات مؤدبًا بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق" (2تي2: 23-24)، لهذا تجنب المباحثات الغبية والخبيثة أي غير المجدية تحزلق وتفلسف غير منطقي. ولكن ما يستحق الانتباه أيضًا، فإن المقاومين يجب تأديبهم بالوداعة وليس بالخصام والنزاع. لهذا دعونا نقدم الحب لبعضنا البعض، تاركين الخصام والإدانة، بل نتلامس مع بعضنا البعض بحس روحي مميز لنتشجع ونقوم بعضنا البعض.
سابعًا: افحص دوافعك
عندما تجد نفسك مندفعًا في الهجوم على أخيك، فاحترص لأن ما يظهر في شكل غيرة مقدسة على عمل الله، قد يكون باطنه نارًا غير جسدية وحسد وحب ذات أو حب للشهرة أو كبرياء لهذا افحص دوافعك في صدق مع النفس أمام الله حتى لا يشتكي إبليس عليك.
لكن اختم كلامي بما بدأت به، فكن قريبًا من الكلمة المقدسة التي تعلمنا ما قاله الروح القدس " إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلًا فِي الرَّبِّ" (1كو15: 58)، "وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ" (يه24). آمين.
د. إيهاب ألبرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.