" أقول الصدق فى المسيح لا أكذب وضميري شاهد لي بالروح القدس " (رو9: 1)
سألني صديقي المتشكك:
أنتم تقولون أن هناك الروح القدس، وهو من ينبه الإنسان إلى خطيته ويطلق ضربات إنذاره عندما تقع في ما يغضب الله. لكن أليست هذه هي مشاعر الشعور بالذنب التي تنبع من الضمير في الإنسان العادي؟ إنه ما يسمونه علماء النفس "الأناء الأعلى" الذي يسكن نفس الإنسان ليحاسبه على كل أفعاله.
لقد تعاملت مع معتنقي الديانات البوذية والهندوسية ووجدت فيهم من يحمل ضميرًا إنسانيًا يقظًا وحساسًا أكثر من المؤمنين الذين يدعون سكنى الروح القدس في قلوبهم! فما الفرق إذن؟ إن الروح القدس الذي تتحدثون عنه هو شيء وهمي دون أن تدركوا أنه الضمير الإنساني الطبيعي.
الرد:
وللرد على هذه الشكوك، لابد أن نفهم ما هو الضمير الإنساني وما الفرق بينه وبين الروح القدس، وصوته في داخل قلب الإنسان. لكي ندرك أيضًا كيف يعمل الروح القدس أيضًا في ضمائرنا.
الضمير الإنساني:
إن الضمير هو القاضي والحاكم الذي يكمن في داخل نفس الإنسان لكي يميز أمور الحياة ويفصل بين الخطـأ والصواب. هو جهاز مراجعة النفس الذي يراجع الأفعال والأقوال ويبلغ الإنسان بحكمة على ما فعله.
يتكون كيان الإنسان من روح ونفس وجسد. والروح هي المنصة الإلهية للحياة، والجسد هو الوعاء الذي يسكن فيه الإنسان ويتكون من لحم ودم وعظام. أما النفس فهي كيان الإنسان وقد وصفها علماء النفس بأنها الذات الإنسانية التي تتكون من:
1- الفكر الذي أختزن فيه كل المبادئ والأفكار المكتسبة في كل الأيام منذ الطفولية إلى هذا اليوم.
2- العاطفة وهي تحوي المشاعر والأحاسيس المختلفة التي تختلج في قلب الإنسان مثل الفرح والحزن والقلق وخلافه.
3- الإرادة وهي التي تجمع ما بين الفكر والمشاعر لكي تصل إلى القرارات والأحكام التي تحدد الأفعال والأقوال والتصرفات.
هذه العملية تتم تحت مراجعة وحكم الضمير، فهو من يحكم هذه التفاعلات المختلفة الناتجة عن تفاعل الأفكار والمشاعر. ويراجعها قبل إصدار القرار الإرادي، كما أيضًا يراجعها بعد أن تصبح فعلاً وسلوكًا ليعدلها. من يحكم فيها وعليها هو الضمير الإنساني.
يعتمد هذا الضمير على الأفكار المكتسبة والبيئة المحيطة به. كما أيضًا يعتمد على استجابتنا لنداءه. فنحن يمكننا أن نطيعه ونجعله حساسًا وفاعلاً، كما يمكن لنا أن نسكته ونهمله فيصير عاجزًا غير فعال. فيكون ضميرًا ميتًا أو بلا عمل.
فيقوم الضمير بعمله فينا بقدر المساحة التي نتيحها له وبقدر الحرية التي نطلقه ليعمل من خلالها في تصرفاتنا وسلوكنا.
ضمير الإنسان في البعد عن الله
لأن الله خلقنا على صورته كشبهه، ونحن نحمل في داخلنا نسمة القدير ومنحته الإلهية لنا. لهذا لا تستقيم حياتنا وسلوكنا إلا في طاعتنا له وخضوعنا لصوته. لكن عندما يبتعد الإنسان عن الله ويرفض عبادته حينئذ يفقد صلاح ضميره، فيصفه الرسول بولس: "بل قد تنجس ذهنهم أيضًا وضميرهم" (تيطس1: 15)، "ضمير شرير" (عب10: 22)، كما يصفهم بأنهم "موسومة ضمائرهم" (1تي4: 2)، وهو تعبير طبي يعني الكي الذي يلغي كل مستقبلات الإحساس الجلدي للألم واللمس، فالضمير أصبح دون إحساس.
كما يصف الخطاة أيضًا بفقدانهم للحس "الذين إذ قد فقدوا الحس أسلموا أنفسهم للدعارة" (أف4: 19)، فالإحساس مفقود في البعد عن الله والضمير موسوم لهذا يصفهم الكتاب المقدس: "الشارب الإثم كالماء" (أي15: 16)، وهكذا ينطبق عليهم القول: "ليس خوف الله قدام عيونهم" (رو3: 18).
هذا هو حال الإنسان في بعده عن الله وفي رفضه لعمل المسيح الكفاري على الصليب. بل أتجرأ وأقول إنه هو حال الإنسانية كلها اليوم، فمهما قالوا عن السمو الأخلاقي والمثاليات الأفلاطونية، لكن للأسف مات الضمير ومازال العالم اليوم يعاني من (أزمة ضمير) لأنه "ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد".
عمل الروح القدس في الضمير
أتى الرب يسوع المسيح إلى العالم ليقدم نفسه ذبيحة عن كل خاطئ بعيد ومات وقام لكي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. فطهر بدمه قلوبنا كما طهر أيضًا ضمائرنا "فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميته لتخدموا الله الحي" (عب9: 14).
وهذا هو عمل المسيح الكفاري حين نقدم له حياتنا وقلوبنا بالإيمان فيخلقنا من جديد بعمل الروح القدس. ليجعل الروح القدس فينا كل شيئًا جديدًا "غُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تيطس3: 5)، لهذا يخلق فيّ الروح القدس ضميرًا حيًا جديدًا مستنيرًا. فالروح القدس يستخدم فكري ليضع فيه مبادئ الحياة المسيحية الصالحة الصحيحة، وهذا ما أعلنه السيد له كل المجد: "أما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب بأسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26).
كما أيضًا يتعامل مع مشاعري، فلهذا يسميه المعزي أي المفرح وصاحب السلام والطمأنينة ويتعامل مع إرادتي أيضًا ليغيرها "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (أف2: 13).
وعندما يغير الروح القدس الفكر والإرادة والعاطفة، فلابد أن يعمل ذات الشيء في الضمير، الحُكم والقاضي، ليطهره ويقدسه ليكون حاكمًا بحسب قوانين الروح القدس، الأقنوم الإلهي الساكن في.
لهذا صار لي في المسيح ضمير مستنير بنور الروح القدس ومنقاد بالروح القدس. فيبكت على الخطية وينبه القلب قبل السقوط كما يعيد الإنسان إلى التوبة وحياة النقاوة بوخزاته وإنذاراته.
قال أحدهم: (الضمير لا يمنعك من فعل الخطية لكنه يفسد عليك متعتها) وهو الذي يقودك إلى التوبة والرجوع للرب.
عمل الضمير المنقاد بالروح القدس
1- يشهد لنا:
"لأن فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا أننا في بساطة وإخلاص الله.. تصرفنا في العالم ولاسيما من نحوكم" (2كو1: 12)، وهكذا أعلن الرسول بولس: "أقول الصدق فى المسيح لا أكذب وضميري شاهد لي بالروح القدس" (رو9: 1)، فالروح القدس يجعل ضميرنا يشهد لنا عن صدق وإخلاص قلوبنا وصحة تصرفاتنا.
2- يحكم ويقود تصرفاتنا:
فهو الأمل والفعال في تصحيح مسارنا لكي نعيش بحسب إنجيل يسوع المسيح "لأننا نثق أن لنا ضميرًا صالحًا راغبين أن نتصرف حسنًا في كل شيء" (عب13: 18)، فهو من يقودنا لنفعل الصالح والأفضل والأكمل.
3- يدعم إيماننا:
فالإيمان يتقوى بضمير مستنير بالروح القدس. لهذا يطلب بولس الرسول أن يكون الشمامسة "لهم سر الإيمان بضمير طاهر" (1تي4: 9). كما يمدح إيمان الابن تيموثاوس "ولك إيمان وضمير صالح الذي إذا رفضه قوم انكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان أيضًا" (1تي1: 19).
لهذا أثق أن الروح القدس يعمل في ضميري ويجعله حساسًا ومستعدًا لقيادتي ليتمم الله عمله بي وفي. أكرر أن الروح القدس يستخدم إمكانيات الإنسان من فكر وعاطفة وإرادة، كما يستخدم الضمير ليضيف له نورًا إلهيًا جديدًا يدعمه ويقوي عمله ليكون إنسان الله صالحًا ومستعدًا لكل عمل صالح.
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.