"فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان فقال لهم يكفى" (لو22: 38)
يقول أعداء المسيح.. وهم يحملون السيف والأسلحة ضد البشرية ومع استمرار العنف الإنسانى الشرير.. مع ذلك ويتهمون المسيح بأنه دعا إلى حمل السيف وهناك من الآيات الكتابية التى يدّعون أنها دعوة إلى حمل السيف.
1- كان تلاميذ المسيح يحملون السيوف والدليل أنهم أخرجوا سيوفهم ليلة القبض على الرب يسوع في بستان جسثيمانى "ثم إن سمعان بطرس كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى وكان اسم العبد ملخس فقال يسوع لبطرس "اجعل سيفك في الغمد، الكأس الذى أعطانى الآب ألا أشربها؟" (يو18: 10، 11).
2- اعترف الرب يسوع بنفسه أنه أتى لكى يلقى السيف ويضرب بالسيف، فقال: "لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاماً على الأرض ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً فإنى جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها وأعداء الإنسان أهل بيته" (مت10: 34- 36).
3- دعا يسوع تلاميذه لشراء وحمل السيوف بل دعاهم إلى بيع ثيابهم ليحملوا سيوفاً فقال: "لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك من ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً" (لو22: 36).
4- عندما أعلمه تلاميذه أن معهم سيفين فكان تعليقه عجيبًا لأنه لم ينتهرهم أو حرضهم على ترك السيوف بل "فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان فقال لهم يكفى" (لو22: 38).
5- عندما سأله تلاميذه "قالوا يا رب أنضرب بالسيف؟" (لو22: 49)، فلم يجبهم أو ينتهرهم بسرعة بل ترك تلميذه يضرب عبد رئيس الكهنة وعندما حاول العبد الهروب أتى السيف ليقطع أذنه.. وهنا ما يؤكد أن التلميذ كان ينوى قتل وذبح العبد.. ومع هذا لم يصرخ يسوع ليمنعه أو ينتهره.
لهذا هل حقًا دعا المسيح أتباعه إلى حمل السيوف والحرب.. هل هذا ما نفهمه من هذه الآيات؟ دعونا نتحدث ونفند هذه الادعاءات.
الرد:
1- في كل حياة الرب يسوع على أرضنا المدونة كاملة في الأناجيل الأربعة وبشهادة الشهود المعاينين لتفاصيل حياته، لم نر يسوع مرة واحدة ممسكًا بسيفه أو نعرف أنه كان يحمل سيف.. لم يظهر عداوة لأحد ولم يقاوم أو يجرح أحدًا ولو باللسان بل كل حياته جال يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه" (أع10: 38) ولم يمسك يومًا سيفًا أو رفعه في وجه أحد.
2- مع أن كان له أعداء كثيرين.. وحاربوه بشدة.. ودفعوه مرات عديدة إلى الموت. فحملوه مرة لكى يلقوه من أعلى الجبل.. ومرة فكروا برجمه بالحجارة من أجل أعماله الصالحة التى أغاظت الفريسيين والكتبة، لكنه لم يقاومهم بأى سلاح ولم يرفع سيفًا على أحد.
3- عندما أتوا إليه ليقبضوا عليه في ليلة الصليب في بستان جسثيمانى لم يستل سيفه ولم يقاوم لا لأنه ضعيف.. بل على العكس لأنه قوى.. كيف هذا؟!
- لأنه عالم بكل ما يأتى عليه، فهو قد أخبر تلاميذه من البدء بكل ما سيحدث له بتفاصيله (مر9: 31)، (لو18: 32).
- لأنه لهذا أتى.. فهو الله الذى أتى إلى عالمنا ليصنع الخلاص لكل البشرية (يو12: 27) وأتى لساعة الصليب الذى ذهب إليه بإرادته.
- لأنه يحمل القوة في داخله.. فكان يمكنه أن يطلب اثني عشر جيشًا من الملائكة ليحاربوا عنه.. لكنه لم يستخدم هذه القوة ضد أعدائه وضد مقاوميه. لكنه أتى لكى يعلن الحب ويقدم الحب لكل البشرية "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).
هل ألقى سيفًا
للرد على كلمات السيد "لا تظنوا إنى جئت لألقى سلاماً على الأرض ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً" (مت 10: 34)
أولاً: رسالة المسيح هى رسالة السلام:
- لأنه رئيس السلام (إش9: 6) في النبوات عنه.
- في ميلاده رنمت الملائكة "المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 14).
- تحدث في عظاته "سلاماً أترك لكم سلامى أعطيكم، ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" (يو14: 27).
- نادى بالسلام بين الناس: "طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (متى5).
- قال لنازفة الدم بعد أن شفاها: "يا ابنة إيمانك قد شفاك اذهبى بسلام وكونى صحيحة من دائك" (مر5: 34).
- كان يحيى تلاميذه بعد القيامة حين دخل إلى عليتهم "سلام لكم" (لو24: 36).
وهناك الكثير من الآيات التى تؤكد أن رسالة المسيح هى رسالة السلام.
ثانيًا: حين قال: "ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً" (مت10: 34).. كان يسوع يعلم أن رسالة البشارة والكرازة بالإنجيل الكامل أن يسوع مات من أجل خطايانا وقام لأجل تبريرنا"، ستسبب متاعب لتلاميذه الذين سيحملون هذه الرسالة إلى العالم.. لهذا كان يؤهل تلاميذه للمتاعب والمصاعب التى ستواجههم.. بل والسيف الذى ينتظرهم من جراء شهادتهم.. وهذا ما حدث بالفعل مع يعقوب "فقتل يعقوب أخا يوحنا بحد السيف" (أع12: 2).. فهو يخبرهم بالسيف الذى سيواجههم وينتظرهم والسبب هو رسالة المسيح.
ثالثًا: لم يقدم تلاميذ المسيح رسالة الإنجيل بالسيف ولم نر واحدًا منهم يشهر سيفًا في وجه من يكرز لهم أو حتى في وجه من يعاديهم! لأن رسالة المسيح هى رسالة الحب والخلاص من خلال رسالة الحب المعلن لنا في صليب وفداء يسوع المسيح.. فكيف يقدم رسالة الحب من خلال السيوف؟!
رابعًا: قال المفسر الجليل الدكتور وليم آدى: "السيف هنا كناية عن الحرب.. ولم يكن المسيح يحارب العالم أو الإنسان لأنه من أتى بالحب للإنسان.. لكنه أتى ليحارب الشيطان وكل أعماله، لهذا يدعونا أن نحارب الحرب الروحية "إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف6: 11).
خامسًا: كما أن أسلحة الحرب التى نعيشها ضد قوات إبليس ليست سيفًا جسديًا مثل أهل العالم لكنها أسلحة روحية ومنها سيف يدعى "سيف الروح الذى هو كلمة الله" (أف6: 17).
ويقول أيضًا الرسول بولس في هذا الصدد: "إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون" (2كو10: 4)، فلم يستخدم المسيح سلاحًا.. بل لم تستخدم الكنيسة في كرازتها أسلحة.. بل أعظم سلاح هو كلمة الله ورسالة الحب. هذا هو السيف الذى ألقاه المسيح في عالمنا.
هل حرض المسيح على اقتناء السيوف؟
"من ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً" (لو22: 36)
الرد:
أولاً: يقول المفسر الجليل "جون ماك آرثر": حين أرسلهم يسوع قبلاً كان قد أمن لهم حاجاتهم من خلال سيادته الكاملة على الكون أو من خلال اتباعه ومحبيه المنتشرين في كل بلاد اليهودية والجليل. أما بعد موته وقيامته وصعوده إلى السماء، فعليهم أن يستخدموا الوسائل العادية لأجل تأمين حاجتهم وحمايتهم، فالكيس والمزود والسيف هى تعابير مجازية لمثل هذه الحاجيات.
ثانيًا: لم يكن حمل السيف للعدوانية والهجوم لكنه للحماية والدفاع عن النفس.. وكانت هذه الأدوات وحملها أمرًا مألوفًا في أيامهم لاستخدامها في أغراض كثيرة.. لكنها أيضًا للدفاع.. ولإرهاب وتخويف اللصوص الذين قد يعترضون طريقهم في السفر. وأيضًا لمواجهة وحوش البرية والحيات التى قد تقابلهم، فيحتاجون إلى السيف لمواجهتها.
ثالثًا: إن أحوال التلاميذ تغيرت بعد موت المسيح، ففى حياة المسيح كان السفر لزمن قصير مسافات قصيرة وبين المستعدين لاستقبالهم.. لكن بعد القيامة والصعود كان عليهم أن يسافروا أسفارًا طويلة لمسافات طويلة ليحملوا بشرى الخلاص لكل الأمم وللغرباء وحتى للأعداء.. ولهذا دعاهم لأن يرتبوا حاجتهم من النقود ومن السيف أيضًا للحماية... وكونه يدعوهم لبيع الثوب وشراء السيف كناية عن الخطر الكبير المحدق بهم ولا بد عليهم أن يرتبوا أمورهم لحماية أنفسهم ودفع الخطر عنهم.
رابعًا: لم يحمل أحد من تلاميذ المسيح سيوفًا بل قاوموا أعداءهم بالصلوات والتسبيح والكرازة.. وهذه الأسلحة أقوى من كل الأسلحة.
وأخيرًا: قال التلاميذ للرب يسوع: "هوذا سيفان فقال لهم يكفى" (لو22: 38).
وهذا لا يعنى أن سيفين يكفيان للحرب.. بل كان يقصد أنه يكفى الحديث في هذا الأمر، فالمقصود ليس السيف المادى بل السيف الروحى الذى يواجهون به أعداءهم الحقيقيين وهم قوات إبليس الشريرة، لهذا يكفى الحديث في هذا الموضوع".
فلم يقدم رسالته بالسيف بل بالحب، فانتصر وستظل رسالة المسيح لكل المسكونة تنتشر بالحب.. وهكذا علمنا: "وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذى إن كان لكم حب بعضاً لبعض" (يو13: 34، 35).
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.