كيف يميت الله زوجين فى يوم واحد بسبب كذبة؟!
كيف يميت الله زوجين فى يوم واحد بسبب كذبة؟! أليس العقاب قاسيًا؟!
سألنى صديقى المتشكك:
إنى أتعجب من هذا الإله! يأتى زوجان ليقدما تبرعًا من مالهما الخاص. ولا ننسى تضحيتهما السخية، حيث أنهما باعًا منزلاً حتى يقدما جزءًا منه إلى الكنيسة الأولى كتبرع لخدمة الرب. لكن للأسف قُبل إحسانهما بعقاب شديد، بالموت الفورى ودفنهما في الحال؟ لماذا كل هذا؟ هل ذنبهما أنهما قدما جزءًا من ثمن المنزل؟ هل الله يطلب أن يقدما كل المال عنوة وليس عن طيب خاطر؟ هل لا يرضى الله بجزء من الثمن؟
وإن كان الذنب هو الكذب، لأنهما قالا إنهما باعا الحقل بهذا الثمن، فهل كذبة بسيطة كهذه تؤدى إلى الموت؟! ألا ترى أنه حكم قاسٍ بزيادة؟ وقد تنفرني قسوته من التعامل معه بل وأخاف منه. كما أنه ليس عادلاً لأن داود قتل وزنى فى قضية أوريا الحثى وعاش أيامًا مديدة. فأين العدل؟
بل وأظن أنه لو لم ينضم حنانيا وسفيرة إلى الإيمان المسيحي لظلا معًا ينعمان بحياة سعيدة فى منزلهما ولن يبيعاه. لكن بسبب إيمانهما بيسوع المسيح وتبرعهما بجزء من المال فقدا منزلهما ثم حياتهما. فضاع كل شيء! فهل هنا يليق بتبعيه الإله المحب العادل؟!
الرد:
لم تكن خطية حنانيا وسفيرة هى مجرد الكذب فقط، لكن نحتاج أن نفهم أبعاد القصة والقضية حتى يكون حكمنا صحيحًا على الأمور.
بعد يوم الخمسين وملء الروح القدس للتلاميذ، بدأت الكنيسة أيامها وشهورها الأولى لتولد على أيدي الرسل بقوة الروح القدس. فكان الرسل يشهدون عن عمل المسيح الكفارى وموته وقيامته ويضم الرب إلى الكنيسة كل يوم الذين يخلصون.
لكن هنا بدأ المؤمنون الجدد فى تقديم أنفسهم للرب وتقديم أموالهم وممتلكاتهم لخدمة السيد في كنيسته. ومن هنا بدأت تظهر الخطية الساكنة فى قلب حنانيا وسفيرة. فدعونا نعدد خطيتهما لا لندينهما، بل لكى نتحذر من هذه الخطايا لئلا نسقط فيها.
1- الرياء:
لم يكن حنانيا وسفيرة مؤمنين حقيقيين، بل كانا مرائين فى انضمامها للكنيسة. لم يكن الإيمان قد وصل إلى قلبهما، بل كانا عبيدًا للشيطان والدليل على هذا ما كشفه الرسول بطرس عن حنانيا قائلاً: "يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل؟" (أع5: 3).
وهذا يعنى أن هذين الزوجين لم يكونا قد قبلا المسيح فى قلبهما بحق، بل كانا مرائين وانضما للكنيسة خلسة. لهذا من حق الله أن ينقى كنيسته من الزوان ومن الفساد وبالأخص فى أيامها الأولى. كما تفعل الأم لرضيعها فى أيامه الأولى حتى يستمر بصحة جيدة فى ما بعد. فالاهتمام بالتأسيس فى الأيام الأولى أمر يعتمد عليه مسار الكنيسة لسنوات عديدة.
وقد حذّر المسيح تلاميذه قديمًا: "أولاً تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذى هو الرياء فليس مكتوم لن يستعلن ولا خفى لن يعرف" (لو12: 1-2).
فالرياء خطية يكرهها الله فكم وكم عندما تكون فى خدمة الله المقدسة والتعامل مع المقدسات! لا نتهاون من الله فى الخطية التى تهين الله فى خدمته. وهل ننسى ما فعله ابنا هارون ناداب وأبيهو عندما قدما نارًا غريبة لم يأمرهما بها الرب "فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب وقال موسى لهارون هذا ما تكلم به الرب قائلاً: فى القريبين منى أتقدس وأمام جميع الشعب أتمجد" (لا10: 3)؟!
لاحظ أن خطية يهوذا اكتملت عندما "دخل الشيطان في يهوذا الإسخريوطي" (لو22: 3). لقد عاش وسط تلاميذ المسيح فى الرياء. وأسلم المسيح للموت بفعل الشيطان الذى ملأ قلبه كما حدث مع حنانيا.
2- حب الظهور والغيرة:
لم تكن تقدمة حنانينا وسفيرة مخلصة للرب. لأنها ليست بدافع حب الرب، بل كانت بدافع الغيرة وحب الظهور.
بدأت القصة من قلب برنابا الذى كان يعيش وحيدًا، فأرشده الروح القدس بأن يبيع منزله ليقدم ثمنه كاملاً عند أرجل الرسل (أع4: 37).
فبدأت الغيرة تدب فى قلب الزوجين: "وهل برنابا أفضل منا؟ لماذا لا نفعل نحن كذلك؟". فكان الدافع الحقيقي الغيرة من برنابا وحب الظهور وسط الكنيسة. وكم من أفعال نقدم عليها ويكون دافعها الغيرة من الآخرين! فلا نحب أن يتميز أحد عنا ولا يرى الناس أحدًا ليكون أفضل منا. وبدافع الغيرة قدم الزوجان التقدمة. والله لا يحتاج إلى أموال بقدر ما يطلب قلبًا نقيًا مقدسًا يقدم من قلبه. كما قبل الفلسين من الأرملة ومدحها فى الهيكل مع أن كثيرين قدموا فضة كثيرة. لكن هذه الأرملة أعطت قلبها أولاً للرب. كما شهد الرسول بولس عن مؤمني مكدونية: "بل أعطوا أنفسهم أولاً للرب" (2كو8: 5).
3- الكذب:
ولابد أن الخطية لا تقاس بالأحجام. فليس هناك خطية كبيرة أو صغيرة. فالكذب خطية مهما كان. لكنى أظن أن الكذب يعتمد فى خطورته على الشخص الذى تكذب عليه. فإن كذبت على أخيك أو زميل فى العمل لتغطى خطأ قد فعلته يختلف عن كذبك على رئيس العمل فى تحقيق رسمى بسبب إدانتك بأمر ما. ويتعاظم فعل الكذب لو كذبت فى محاضر لجهات رسمية ضد الدولة أو فى قضايا تخابر تخص أمن البلاد. لهذا يتعاظم الذنب مقارنة بمن كذبت عليه. وأظن أن أعلى سلطة لا تقبل أنك تكذب عليها هو الله والروح القدس. لهذا قال بطرس بوضوح لحنانيا: "أنت لم تكذب على الناس، بل على الله" (أع5: 4).
ملحوظة: هذه الآيات نستخدمها لبرهان أن الروح القدس هو الله. وهذا ما يؤكد وحدة الأقانيم في الجوهر.
فكرة أخيرة:
• لم يأمر بطرس بقتل حنانيا، لكنه وبخه، فهل الله أماته بسبب فعلته أو لعله قد مات بسبب صدمة عصبيه شديدة عندما عرف أن فعلته صارت مفضوحة؟ وبدلاً من حب الظهور سمع كلمات الإدانة والتوبيخ، فمات من الصدمة العصبية. كما أن سفيرة زوجته ماتت دون أن يأمرها بطرس بشيء أو يحكم عليها، لكنها سمعت أخبار فضيحتهما وكشف رياءهما، ثم سمعت بخبر موت زوجها وهما خبران قد لا يحتملهما قلب امرأة، فماتت فى الحال من الصدمة.
لكن فى النهاية لابد أن ندرك أن الله لا يسر بموت الخاطى "هل مسرة أسر بموت الشرير يقول السيد الرب ألا برجوعه عن طرقه فيحيا؟" (حز18: 23).
• لهذا لم يكن الموت هو العقاب لحنانيا وسفيرة، لكنه النتيجة الطبيعية والحصاد الطبيعى للخطية "لأن أجرة الخطية هى موت" (رو6: 23). فالخاطىء هو ميت "وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا" (أفس2: 1). كما أن أيضًا مستقبله أيضًا موت. لهذا هو فى حالته الموت ومصيره الموت. وما حدث لحنانيا وسفيرة ما هو إلا كشف لحالتهما الواقعية. فلم يكن الموت غريبًا عليهما، فهما ميتان بالطبيعة أيضًا بالمصير الآن أو بعد وقت.
• الله له معاملات خاصة مع الأشخاص. ولا يمكن أن نحاكمه على تعدد معاملاته. فهو له مقاصد سامية وعالية لا ندركها نحن بعقولنا البسيطة "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!" (رو11: 33).
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.