هل سبب الطوفان هو تزاوج الملائكة من الناس؟
سألني صديقي المتشكك: لقد غضب الله على الإنسان وأفنى كل الخليقة ماعدا نوح وأسرته بالطوفان، والسبب ليس هو خطية الإنسان بل أن السبب الحقيقي هو تزاوج بين أولاد الله وبنات الناس؛ أي التزاوج بين ملائكة الله وبين البشر وأثمر هذا الزواج بولادة الجبابرة: "وهنا يظهر أن الله عاقب الإنسان على فعل لم يفعله ولم يخطيء فيه. ألا يكون هنا الله ظالمًا. أو تكون هذه القصة مستقاة من الأساطير اليونانية والبابلية التي تحكي كثيرًا على زواج الآلهة مع بعضها البعض وزواجها من البنات الحسناوات.
وهذا ما ذكره أيضا سفر أخنوخ حين شهد عن قصة حديث الملائكة في السماء عن بنات الناس ونزولهم إلى الأرض ليتزوجوا من فاتنات الأرض فولدن العمالقة من هذا التزاوج.
ثم يتحدث أيضًا عن أن الله تململ من ترك الملائكة عملهم ونزولهم إلى الأرض للتمتع بالحسناوات، فأمرهم بالرجوع إلى السماء والتنازل عن أعضائهم التناسلية.
ويؤكد الرسول يهوذا هذه القصة "والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام" (يهوذا 6).
فكيف يعاقب الله الإنسان على فعل لم يفعله؟!!
الرد:
وهنا أدركت كم المغالطات الكثيرة التي وردت في حديث صديقي المتشكك ونحتاج أن نفندها ونتحدث عنها بالتفصيل في النقاط الآتية:
1- لم يكن سبب الطوفان هو عملية التزاوج المزعومة بين الملائكة والبشر. لكنها بسبب شر الإنسان. دعونا نقرأ النص الكتابي الواضح "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه. فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته" (تك6: 5- 7). فالله القدوس لم يحتمل شر الإنسان وفساده. فقرر أن يفنيه لأن الإنسان الميت بالذنوب والخطايا يستحق الموت. وأما نوح فقد وجد نعمة في عيني الله لقلبه المستقيم أمام الرب.
2- لم تتحدث رسالة يهوذا عن التزاوج المزعوم بين الملائكة والناس، بل بقراءة النص يتضح أن الملائكة بسبب الكبرياء والارتفاع بالكلام والقلب على الله بقيادة لوسيفر، أو الشيطان، سقطوا من موقعهم الحقيقي في التسبيح أمام الله وأغلق عليهم تحت الظلام الأبدي بقيود أبدية. فهم يتحركون في ظلمة القلب والعقل إلى الأبد، ولم يأت هنا ذكر للتزاوج ولا حتى للطوفان أو فناء العالم.
والنتيجة مختلفة لأن الله لم يفن الملائكة بالطوفان بل يؤكد أنه "حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم" حتى يلقوا في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
3- لا يمكن أن يكون تزاوج بين الملائكة وبين الناس لأننا بقراءة النص نفهم "أن أبناء الله رأوا بنات الناس، أنهن حسنات فأتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا" (تك6: 2).
فالملائكة ليست لها أجساد للتزاوج ولكنها أرواح خالدة "الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار" (مز104: 4). وليس لهم جنس فهم ليسوا ذكورًا أو إناثًا وإلا كنا نسمع عن تزاوجهم من بعضهم البعض وتكاثرهم. كما أنهم بعيدون عن كل الغرائز الجنسية، فكيف يتزوجون؟! بل كيف أيضًا يغرقون تحت مياه الطوفان بما أنهم أرواح دون أجساد.
إن الملائكة هم خدام الله ليباركوا الرب "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز103: 20). وهل ننسى كلمات الرب يسوع الواضحة "لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء" (متى22: 30)؟
4- من هم أولاد الله؟ . ومن هم بنات الناس؟. أولاد الله هم أولاد النسل المرتبط بالله والمحسوب عنده والذي يعبده وينقاد بكلمته. فأولاد الله هم نسل شيث. فمع أن قايين تزوج وولد بنين وبنات وصارت شعوبًا كثيرة من صلبه ولكن لم نقرأ عن نسله أو سلسلة نسبه في كل الكتاب لكن تحكي الأصحاحات الأولى من سفر التكوين عن نسل شيث ويستمر الكتاب، المقدس في قصة هذا النسل حتى يأتي البشير لوقا الذي يكتب سلسلة نسب المسيح من نسل "شيث ابن آدم ابن الله" (فأوضح لقب هذا النسل أنهم أبناء الله. ولم يذكر لنا عن نسل قايين لأنهم تركوا الله وصاروا في شرور الناس، فدعوا أولاد الناس.
ولا نحتاج إلى توضيح فكرة البنوية لله في عبادته والسير خلفه. فكل من آمن بيسوع المسيح الكلمة المتجسد واتخذه مخلصًا لحياته يأخذ لقب ابن الله. هكذا قال الكتاب: "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يو1: 12). فلقبُ المؤمنين بالله أنهم أولاد الله، ويشرح بولس الرسول هذه الفكرة بالقول أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الله بل أولاد الموعد "يحسبون نسلاً" (رو9: 8). وبالطبع بنات الناس هم بنات نسل قايين البعيدين عن عبادة الله.
5- هذا التزاوج بين نسل أولاد الله وبين نسل بنات الناس من قايين أحزن قلب الله وأغضبه، لأن النساء يميلن قلوب الشعوب لترك الله وعبادة آلهة أخرى وأصنام كثيرة. لهذا يقول الوحي المقدس: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟" (2كو6: 14- 16).
وعندما اكتشف عزرا هذه الخطية وسط شعب الله "لأنهم اتخذوا من بناتهم لأنفسهم ولبنيهم، واختلط الزرع المقدس بشعوب الأراضي. وكانت يد الرؤساء والولاة في هذه الخيانة أولاً" (عز9: 2)، غضب.
6- من السذاجة العلمية أن نفكر في تزاوج بين الملائكة والبشر فينتج عنهم الجبابرة والطغاة. دعونا نقرأ النص الأصلي "كان في الأرض طغاة في تلك الأيام. وبعد ذلك أيضًا إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادًا، هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم" (تك6: 4).
فهل الملائكة تحمل كروموسومات وجينوم يعلن عن قوة وجبروت؟! وأية صفات وراثية يمكن أخذها من الملائكة لتصل إلى الإنسان وتصنع منه جبارًا؟!
وهنا نرى دقة لفظ الوحي إذ كتب عنهم صفتان حسب ترجمة (NKJ ) الطغاة giants ، وهى تترجم العمالقة والأجسام الضخمة، وهم وجدوا من قبل أن يتزوج أولاد الله بنات الناس والجبابرة mighty الأقوياء والعظماء.
وهنا نرى أن طبيعة الحياة البدائية المعتمدة على المجهود البدني تحتاج إلى أجساد قوية وعضلات سائدة، فيكون هناك الجبابرة والطغاة.