ما هو نوع الجسد الذى قام به المسيح؟
سألني صديقى المتشكك:
أنتم تقولون أن يسوع هو الله المتجسد، أى أنه أتى فى صورة إنسان متمثلاً داخل جسد إنسانى عادى مثلى ومثلك. لكنى متحير من المسيا الذى قام من الأموات بجسد عجيب! فوجدته يومًا يدخل إلى العلية والأبواب مغلقة، أى إنه يعبر الحوائط والحواجز وهذا من صفات الأجساد الروحانية. لكنه أيضًا يمنع مريم أن تلمسه لأن هذا الجسد لا يمكن لمسه. ويذكر البشير متى أن المريمتين أمسكتا بكلتا قدميه وسجدتا له. ثم أيضًا يقول البشير لوقا إنه أكل معهم فى العليقة سمكًا مشويًا مع شهد عسل. فهل هذا الجسد الذى قام به المسيح هو جسد روحانى غير محسوس، أم جسد حقيقى ملموس؟ لقد حيرنى هذا الجسد ونوعيته. هل حقًا قام المسيح؟ فبأى جسد قام؟
الرد:
وللرد على هذه الأسئلة الجميلة التى لابد تدور فى أذهان الكثيرين دون أن يدركوا إجابتها الواضحة، لابد أن نوضح مراحل تجسد المسيح فى ميلاده ونوعية هذا الجسد، ثم تجسد القيامة ونوعية جسد القيامة أيضًا.
أولاً: التجسد فى ميلاده
لقد أتى الله الابن.. الكلمة.. إلى أرضنا فى جسد إنسان صائرًا فى شبه الناس، وإذ وجد فى الهيئه كإنسان (فى2: 8)، والبشير يوحنا يؤكد "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا" (يو1: 14). هذا الجسد المتكون فى بطن القديسة العذراء مريم هو جسد إنسان كامل. يأكل ويشرب وينام. ويبكى ويتعب من السفر ويجوع ويعمل. فهو فسيولوجيًا جسد إنسانى كامل 100%. لكنه بكيان مختلف. لأنه لا يحمل فى داخلة الطبيعة الساقطة والميل للخطية الموجودة فى كياننا. لأننا نحن ورثنا هذا الميل من آدم الأول، أما يسوع المسيح كان قدوس الله، لا يحمل ميلاً للخطية أو طبيعة الخطية، لماذا؟
1- لأن الذى حُبل به فى بطن القديسة العذراء بشهادة كل الكتب الدينية المعتمدة لم يكن بزرع إنسان أو بشر، لكنه حُبل به بالروح القدس، فكانت البشارة ليوسف النجار "لأن الذى حُبل به فيها هو من الروح القدس" (متى1: 20).
2- كانت البشارة للقديسة العذراء مريم مؤكدة لهذا التجسد "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35) وكلمة "القدوس" معرفة بألف ولام، تعنى انفراده بهذا الجسد وبهذا اللقب. فهو المنفرد فى قداسته. ويوضح تلاميذه ورسله هذه الحقيقة فى رباعية جميلة
1- لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا (2كو5: 21).
2- الذى لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه مكر (1بط2: 22).
3- لكى يرفع خطايانا وليس فيه خطية (1يو3: 5).
4- مجرب فى كل شيء مثلنا بلا خطية (عب4: 15).
لهذا كان يسوع المسيح الله المتجسد فى أرضنا كإنسان كامل بجسد فسيولوجى طبيعى جدًا لكن لا يحمل فى كيانه طبيعة الخطية أو فكر الخطية أو الميل للخطية لأنه القدوس البار.
ثانيًا: جسد القيامة
مات يسوع المسيح وأصيب هذا الجسد بإصابات بالغة، حتى أسلم الروح. وقع هذا الجسد تحت التعذيب الرومانى القاسى، حتى مات وفارق الحياة. فأتى يوسف الرامى وأخذ جسد يسوع ووضعه فى الأكفان ووضعه فى قبر جديد فى بستانه ودحرج الحجر الكبير على باب القبر. ثم أتى الرومان ووضعوا الأختام الرومانية على الحجر، لئلا يأتى من يمكنه أن يرفع هذا الحجر وضبطوا القبر بحراس، لكن قام يسوع من الأموات. هذا الجسد هو:
1- هو ذات الجسد الذى عاش به فى الشكل والمظهر. فبعد القيامة رأيناه يمشى ما يقرب الساعتين مع تلميذى عمواس. ورأى تلاميذه الجروح ومكان المسامير. بل دعا توما لكى يضع إصبعه فى أثر المسامير وأن يضع يده فى الجنب المطعون بالحربة. فو لم يكن خيالاً أو جسدًا روحانيًا لا يمكن لمسه، بل هو ذات الجسد الذى عاش به. وإمعانًا فى تأكيده للتلاميذ قال لهم: "انظروا يديّ ورجليّ إنى أنا هو حسونى وانظروا لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لى" (لو24: 39)، "وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون قال لهم: أعندكم ههنا طعام؟ فناولوه جزءًا من سمك مشوى وشيئًا من شهد عسل فأخذ وأكل قدامهم" (لو24: 41-42).
2- كان هذا الجسد مجيدًا له طبيعة سماوية لهذا:
أ- استطاع أن يخرج من الأكفان وحده دون أن يفكه أحد. لقد أقام الرب يسوع لعازر من الموت، لكنه احتاج أن يحلوه من رباطة الأكفان، فدعاهم يسوع بالقول: "حلوه ودعوه يذهب" (يو11: 44)، لكن يسوع أقام نفسه من الموت وخرج من وسط الأكفان ورأى بطرس هذه الأكفان وشهد عنها.
ب- دخل يسوع العلية التى اجتمع بها التلاميذ والأبواب مغلقة لسبب الخوف من اليهود. دخل إليها والأبواب مغلقة عابرًا كل الحواجز ووجدوه فى وسطهم.
ج- اختفى من بيت تلميذى عمواس، بعدما مشى معهم ودخل معهم إلى البيت "فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما" (لو24: 31).
د- أعلن سلطانه على السمك كإله وأدخل السمك إلى شبكة بطرس فى بحر طبرية، ليعلن سلطانه الإلهى بعد القيامة أيضًا كما أعلنه فى حياته (يو21).
لهذا كان هذا الجسد لحمًا ودمًا، لكن بطبيعة سماوية مجيدة ولكن البرهان الأعظم على هذا الحق أنه صعد بهذا الجسد إلى السماء.
صعوده إلى السماء
وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وصعد إلى السماء" (لو24: 50)، "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم وفيما كانوا يشخصون إلى السماء" "وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا: أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء" (أع1: 9-11).
لقد صعد يسوع المسيح بالجسد الممجد هذا إلى السماء وهو الآن جالس في يمين عرش الله. وقد رآه استفانوس فى لحظة استشهاده وانتقاله من هذا العالم وشهد عن ذلك "بأننا سنراه هناك كما ذهب منطلقًا إلى السماء".
أخيرًا إشكالية أنه منع مريم من لمسه.
"قال لها يسوع لا تلمسينى لأنى لم أصعد بعد إلى أبى ولكن اذهبى إلى إخوتى وقولى لهم إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم" (يو20: 17).
لم يمنع السيد مريم من لمس رجليه. لكن كلمة "لا تلمسينى" فى الترجمة التفسيرية تعنى "لا تتمسكى بى"، ولماذا لا تتمسك به بعد أن وجدته.
1- لأن لديها مهمة لا بد أن تقوم بها الآن وتذهب لتخبر التلاميذ بخبر القيامة، فالوقت وقت الشهادة بالقيامة.
2- لأنه لا يريدها أن تتمسك بالجسديات ولكن بدأ عصر الإيمان لنتمسك بالإقرار الإيمانى الراسخ، ولنتمسك بالحق بعيدًا عن المحسوسات والجسديات "وطوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يو20: 29). والدليل على هذا المعنى أن البشير متى يؤكد أن المريمتين "أمسكتا بقدميه وسجدتا له" (متى28: 9)، لكنه أطلقهن للإخبار بالقيامة. لم يمنع لمسه، لكن استعجل البشارة بالقيامة.
3- لهذا نعلن إيماننا بأن يسوع المسيح الله الابن المتجسد فى أرضنا أتى فى صورة إنسان كامل وإله كامل، عاش بيننا، ثم مات وقام بذات الجسد، لكن بطبيعة مجيدة سماوية وهو الآن فى السماء ومنتظرين وطالبين سرعة مجيئه. له كل المجد والسلطان إلى أبد الأبدين.
د. إيهاب ألبرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.