كيف أعبد إله مع أنى لا أفهم كثيرًا من مواقفه؟
كيف يدفع الله يشوع وشعبه لإحتلال وإغتصاب أراضى كنعان؟ هل هو إحتلال باسم الله؟
سألنى صديقى المتشكك: كيف أعبد إله مع أنى لا أفهم كثيرًا من مواقفه. فكيف يدفع موسى ويشوع من بعده باقتحام أراضى الكنعانيين ويحتلونها ليمتلكوها. هل الوعد الالهى غطاء إلهى للتستر على احتلال واستعمار مستبد.
كيف يظلم شعوب كنعان السبعة لكى يعطى هذه الأرض لشعب الله. كيف يكون هذا هو الاله العادل والمحب؟
الرد:
وللرد على هذه القضية الشائكة نحتاج أن نذكر بعض الحقائق. لكن أحب أن أؤكد قبل أى شيء أن هذا الرد لا يمت من قريب أو من بعيد بالحالة السياسية فى هذه الأراضى اليوم بعد مرور أربعة آلاف سنة من هذه الأحداث. فالمواقف السياسية تختلف من عصر إلى آخر وهذا الرد لا يحمل تبرير للحال السياسي الحالى.
أولاً: ملكية الأرض
لقد امتلك إبراهيم أرض كنعان منذ القديم حينما خرج إبراهيم من أور الكلدانيين بدعوة إلهيه ليذهب إلى الأرض التى يقوده الله إليها فذهب إلى أرض كنعان وسكن هناك "ظهر الرب لأبرام وقال لنسلك أعطى هذه الأرض فبنى هناك مذبحًا للرب الذى ظهر له" (تك12: 7).
ثم تأكد الوعد والسكن فى الأرض بعد اعتزال لوط من إبراهيم، فيقول الوحى المقدس "فاعتزل الواحد عن الآخر. أبرام سكن فى أرض كنعان ولوط سكن فى مدن الدائرة" (تك 13: 12) ولكن وعد الرب بالتوسع وامتلاك الأرض وليس جزءًا منها "وقال الرب لابرام.. ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا لأن جميع الأرض التي ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد" (تك 13: 14 و15).
- ظهر الرب لأبرام في رؤيا وصنع معه عهدًا وميثاقًا. كان عهد بركة وميراث وقال له: "أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطك هذه الأرض لترثها فقال أيها السيد الرب بماذا أعلم أني أرثها؟" (تك 15: 7).
وللجواب عن هذا السؤال كشف الرب لأبرام المستقبل القريب لشعبه "فقال لأبرام أعلم يقينًا أن نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم ويستعبدون لهم فيذلونهم أربع مئة سنة ثم الأمة التي يستعبدون لها أنا أدينها وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة. وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملاً" (تك 15: 13- 16).
ومن هنا ندرك أن أرض كنعان هي مكان سكني أبرام في البداية قبل أن تأتي هذه الشعوب لتملأها .. فكان أبرام ساكنًا ومالكًا لها. وقد ميز الله أبرام بهذه لطاعته الدعوة الإلهية له، فكانت المكافأة بسكناه في هذه الأرض ولنسله من بعد.
ثانيًا: البركة والاتساع
من حق الله يميز ويبارك خدامه الأمناء. فإن كان آلهة الشعوب الأصنام يظنون أنها تبارك ويتعبدون لها لكي تستجيب لهم طلباتهم وتبارك حياتهم، فكم يكون الإله الحقيقي وحده الذي يبارك وينقذ شعبه ومن حقه أيضًا أن يوسع تخومهم ويزيد البركة لهم.
وكانت البركة الأكيدة في العهد القديم تتلخص في النسل والأرض. وهكذا كانت بركة أبرام عبارة عن نسل كرمل البحر وميراث الأرض لهم.
ثالثًا: الحالة السياسية وقتها
لقد كانت الحالة السياسية وقتها تحمل صراعًا بين الشعوب والصراع دائمًا يكون على الأرض، فالغزوات القديمة تملأ التاريخ الفرعوني والعربي والاستعمار البريطاني والروماني والألماني. كل هذه الإمبراطوريات اعتمدت في امتدادها على الغزوات والاحتلال.
بل أن في قصة داود كلمات تؤكد أن هذا كان عرفًا متداولاً في هذه الأيام فيقول: "وكان عند تمام السنة في وقت خروج الملوك أن داود أمر يوآب وعبيده وجميع إسرائيل" (2صم 11: 1).
وكلمة "في وقت خروج الملوك" أي إنه هناك وقت للملوك يخرجون فيه لغزواتهم واكتساب الغنائم. فهذا كان سائدًا في أيامهم.
رابعًا: دعوة الله لامتلاك الأرض والاستمرار
لقد كان شعب الله مستعبدًا في أرض مصر لمدة 400 سنة ولكن أرسل إليهم موسى ليحررهم من عبودية المصريين (هل كان استعباد المصريين لشعب إسرائيل هو الحق) ويخرجوا ليعودوا إلى أرضهم وملكهم الأصلي .. لماذا؟ لكي يستقر هذا الشعب في مكانه ويسكن الله في وسطهم ويصلوا إلى حالة الاستقرار في السكن وأيضًا في عبادة الله الحي.
لم يعرف شعب إسرائيل الرب وهم في أرض مصر لكن أرسل الله موسى لكي يعلمهم من هو الإله الحقيقي وينقلهم إلى عبادة الإله الحقيقي الواحد. وسكن الله في وسط محلة العبرانيين في خيمة الاجتماع حتى دخلوا أرض كنعان وامتلكوها وهناك جمع داود المواد الخام وبنى سليمان هيكل الله الساكن في وسط شعبه. وهكذا وصل الشعب إلى قمة الاستقرار السكني والروحي أيضًا. فالوصول إلى الاستقرار الروحي يحتاج إلى استقرار الشعب في أرضه.
خامسًا: معاملات الله مع الآراميين
نرى نعمة الله الغنية ورحمته مع هذه الشعوب السبعة التي أخذ شعب الله أرضهم. فقد عبد هؤلاء الشعوب الأصنام وعاشوا في الخطية والزنى الروحي المستمر، لكن انتظر الله منهم أن يرجعوا عن طرقهم الردية لمدة 430 سنة ولكن حين اكتمل ذنبهم أعاد شعب إسرائيل من أرض مصر إلى أرض كنعان ليمتلكوا أرضهم.
كما لابد أن ندرك أن شعب الله دخل إلى أرض كنعان، لكنه لم يمتلك كل الأراضي ولم يحارب كل الشعوب، بل امتلك الإسرائيليون بعض الأراضي لأن الله رحيم ورؤوف.
فالله له معاملات خاصة مع كل البشر. تعاملات لتوبتهم ورجوعهم عن خطيتهم. كما أيضًا معاملات لعقابهم واتخاذهم كدرس وعبرة لمن حولهم.
فاسمع قول الروح القدس: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو 2: 4 و5).
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.