ما معنى صرت لليهودي كيهودي؟
لماذا ختن تيموثاوس؟ لماذا حلق شعره للدخول للهيكل؟ هل هذا يعني استعداده لتغيير عقيدته ولونه كل مرة ليخدع النفوس ليقبلوا رسالته.. ألا تسمي هذا رياء ونفاقًا؟!!
سألني صديقي المتشكك.. هل الغاية تبرر الوسيلة؟
قلت: بالطبع لا.. هذا مبدأ خاطىء لأن عنده ستنهار القواعد للوصول للغاية.
قال: هل قرأت كلمات الرسول بولس: "فإني إذ كنت حرًا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الكثيرين. فصرت لليهودي كيهودي لأربح اليهود. وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس. لأربح الذين بلا ناموس.صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قومًا" (1كو9: 19- 22).
كما أنه ختن تيموثاوس للخدمة وسط اليهود. وحلق شعره للدخول للهيكل. هل هذا يعني استعداده لتغيير عقيدته ولونه كل مرة ليخدع النفوس ليقبلوا رسالته.. ألا تسمي هذا رياء ونفاقًا؟!!
الرد:
تحتاج يا صديقي أن تفهم طبيعة الحديث وسياقه لكي نعرف لماذا يكتب الرسول بولس هذه الكلمات. فقراءة كل الأصحاح يمنحنا الفرصة لفهم المناسبة التي كتب فيها هذا. لهذا أقول.
أولاً: سياق الحديث، يتحدث الرسول بولس إلى كنيسة كورنثوس عن خدمته في مدينتهم بلا مقابل. فكان من حقه كخادم أن تنفق الكنيسة على معيشته وتقدم له ما يغطي حاجته. ولكنه تنازل عن حقه في المال كي ما يقدم لهم المسيح مجانًا. وعمل الرسول كصانع خيام لينفق على الخدمة. وبهذا هو حر من الجميع وغير مديون لأحد بشيء.
ثانيًا: لفظ استعبدت نفسي للجميع، هذا لا يعني أنه تنازل عن حريته وصار عبدًا. ولكنه بذل الجهد في نفع الكنيسة والخدمة ليقدم لهم كلمة الحياة دون مقابل مادي، كأنه عبد لهم.فخدمهم بلا أجرة كالعبد لسيده ولم يلتفت إلى حقوقه الشرعية ومشيئته من أجل ظروف معيشة أفضل دون أن يخالف ضميره ولم يخالف قصد سيده. لكنه تنازل عن حقه.
وهكذا أيضًا خدم الرب يسوع في أرضنا دون مقابل مادي أو حتى معنوي وقدم حياته لكي يصنع خلاصًالكل العالم، دون أن يأخذ شيئًا لنفسه، لهذا وصفه الرسول بولس:"آخذًا صورة عبد" (في2: 7). فبولس تمثل بسيده. وقد أشهد بولس قسوس كنيسة أفسس: "فضة أو ذهب لباس أحد لم أشته أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أع20: 33). لهذا يتحدث بولس ويقول "استعبدت نفسي للجميع".
ثالثًا: قوله "صرت لليهود كيهودي لأربح اليهود"، بالطبع كان الرسول بولس يهوديًا. من سبط بنيامين (في3: 5)، ويحمل اسم أول ملك لشعب الله شاول. فشاول هو الاسم العبري وبولس هو الاسم اليوناني، كما أنه أيضًا كان رومانيًا (أع16: 37، 22: 25)، لأنه ولد في طرسوس في مقاطعة كيليكيا الرومانية بآسيا الصغرى. وتعلم عند رجلي غمالائيل أكبر معلمي الناموس (أع22: 3). فريسي متزمت للغاية!
وبعد أن تقابل بولس مع الرب يسوع في طريق دمشق لم تتغير جنسيته بل ظل يهوديًا دون أن يفرض على الكنيسة والمؤمنين أن يتهودوا. وهذا ما اتفق عليه الرسل والكنيسة في المجمع المسكوني الأول في أورشليم (أع15)، وقد أرسلوا بولس بهذه الرسالة إلى الكنائس "قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون" (أع 15: 28، 29).
وهكذا شهد بطرس في هذا المجمع قائلاً: "فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله؟" (أع15: 10). وهكذا اتفقت الكنيسة على عدم الاحتياج لممارسة الطقوس اليهودية الدنيوية.
كتب المفكر جون ماك آرثر "لو حمل الرسل الأمم الذين قبلوا رسالة المسيح كل الشريعة الرمزية المدققة في أمور لا تنفع ولا تضر لعاقوا الإنجيل كثيرًا عن تقدمه بينهم لأنها نير ثقيل".
لهذا دخل بولس الرسول إلى المجمع في مدينة كورنثوس ولما لم يقبلوا رسالة المسيح خرج وانتقل إلى بيت رجل أممي يوناني اسمه يوستس. وكريسبس رئيس المجمع آمن بالرب مع جميع بيته" (أع18: 18). فربح بولس الأممي واليهودي ليكونوا واحدًا في المسيح.
ملحوظة هامة:
عندما نتحدث عن اليهودية والناموس لا نقصد ترك ناموس الوصايا العشر التي تقود إلى حياة التدقيق والقداسة. لكن رأى الرسل أنه لا مانع من ترك الوصايا التي أضافها اليهود الفريسيون من غسلات وتطهيرات،لأن هذه الوصايا تمسك بها الفريسيون وشهد عنها الرب "وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هى وصايا الناموس" (متى15: 9) وشهد عنها بولس "لا تمس ولا تذق ولا تجس التي هى جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم الناس" (في2: 21، 22).
وتحدثنا في عدد سابق عن كيف أن المسيح لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله.
رابعًا: هل عاش بولس كناموسي وفريسي بعد تجديده؟ حادثة ختن تيموثاوس. وحلق شعر بولس يحتاجان إلى تفسير واضح.
- (أع16: 3) كان تيموثاوس اليد المساعدة لخدمة بولس في رحلاته الأخيرة. وكان تيموثاوس من أب يوناني وأم يهودية، فكان يهوديًا وأمميًا في آن واحد. لهذا تمتع بحق الدخول إلى الحضارتين وهو أمر ضروري ونافع للخدمة.
كان ختان بولس له ليكون له حق الدخول إلى المجمع وليس رياءً لهم ولا بد أن نعرف أنه لم يختن خادمه لأنه أرسله إلى الأمم. كما أنه أعلن "لأنه في المسيح يسوع ليس الختان شيئًا ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة (غلا6: 15). لكن ختان تيموثاوس يعطيه قبولاً وسط اليهود المتشددين.
- أما عن نذر بولس (أع18: 18) فكان هو عهد خاص بالانفصال والتكريس لله (عدد 6: 2- 5) والنذر هو عدم قص الشعر لمدة محددة من الزمن. وكان حكم اليهود آنذاك أنه في حالة النذر خارج أورشليم. فعند انتهاء النذر يجب أن يحلق الإنسان شعره ويذهب بالشعر المقصوص ليقدمه في الهيكل في غضون ثلاثين يومًا. فكان على بولس أن يحلق لانتهاء نذره.
خامسًا: صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قومًا"، أختم حديثي بالتعليق على هذه الكلمات التي تحمل الاتضاع والتنازل والحلم والتساهل في الرأي في الأمور العرضية التي لا تقدمنا ولا تؤخرنا إلى الله حتى يربح نفوس سامعيه لينالوا خلاص المسيح الثمين. هذا هو ما تعلمه من سيده الذي أتى إلينا في صورة عبد (في2: 7) وهذا يعلمنا الحكمة في ربح النفوس كي لا نصدمهم ونعثرهم بما لا ينفع، بل نشجعهم حتى يؤمنوا ولا ندع أمورًا تافهة سطحية تعطل كرازتنا.
لهذا لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي لنتمسك بإقرار الرجاء راسخًا" (عب10: 22").
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.