سألنى صديقى المتشكك:
كلما أقترب من الله أتذكر صفاته الجميلة التى أبهرتني، لأنه غافر الإثم وصافح عن الذنب وهو الإله المحب الذى يقترب إليّ بكل الحنان والرحمة. أحبه وأحب العشرة معه. لكن ما يزعجنى وما يعرقل علاقتي به أنى أجد من صفاته أيضًا أنه المنتقم. هل تعلم ماذا يعنى أنه منتقم؟!، "الرب إله غيور ومنتقم الرب منتقم وذو سخط الرب منتقم من مبغضيه" (ناحوم1: 2). المنتقم تعني أنه إله قاس لا يسامح ولا يغفر كل من يسيء إليه. فكيف يكون غفورًا رحيمًا وفى ذات الوقت المنتقم؟! فالصفتان لا يلتقيان، لأنه المنتقم أى يثأر لنفسه عن كل من يهاجمه أو كل من يخطئ فى حقه فهو يأخذ حقه بيده. ولا يترك حقه، بل ينال من كل من يعاديه.
هذا الانتقام لا يجعلنى لا أفهمه، بل يدفعنى إلى الشك فى محبته لى وبل فى غفرانه. فكلما أخطأت فى حقه ظننته سينتقم منى ولن يتركنى أمضى بفعلتي. وكلما مررت بضائقة أو تعرضت لألم ما تيقنت أنه انتقام السماء على أفعالى. وكلما مرضت عرفت أنه ينتقم منى. فمتى أطمئن أنه يمارس نقمته عليّ ومتى أطمئن أنه يقف فى صفى ويحامى عنى ولا يقف فى مواجهتى ليبتلعنى بغضبه ويعاقبنى بسخطه. كيف يجتمع معًا غفرانه ونقمته؟
الرد:
حتى نجيب عن هذا السؤال لابد أن نفهم أولاً ونثق فى محبة الله وغفرانه الكامل، ثم ندرك بعدها معنى نقمته ومتى ينتقم.
أولاً: غفرانه الكامل:
لقد شهد نحميا عن إلهنا قائلاً: "وأنت إله غفور وحنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة فلم تتركهم" (نح9: 17)، وشهد عنه ميخا أيضًا "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة" (ميخا7: 18)، فهو غفور رحيم يسر بالرأفة ويسر بالغفران، لكنه يغفر لكل تائب ونادم عن خطيته. فلا يوجد غفران بدون توبة وبدون رجوع إلى الرب باتضاع.. هكذا قال إشعياء: "ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" (إش55: 7)، وهكذا يشهد يوحنا: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو1: 9).
ثانيًا: كمال صفاته:
إن الله هو الإله الكامل لا يشوب أى صفة من صفاته أى نقص أو عجز، فهو صاحب المحبة الكاملة. وهو أيضًا صاحب العدل الكامل. فمحبته لا تنقض عدله ولا تنقصه بل محبته كاملة، كما أن عدله كامل. ولا يجتمعا أبدًا الاثنان معًا إلا فى شخص الرب يسوع المسيح لأنه دفع الثمن كاملاً على الصليب وذاق الموت وعقاب خطيتى على الصليب؛ ليوفى مطالب العدل الإلهى وبهذا صار له الحق فى أن يغفر لى ذنوبى على حساب دم يسوع المسيح "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).
ثالثًا: انتقامه يحوي عدله:
1- العدل الإلهى يكتمل فى غضبه على كل من لم يتب ولم يرجع عن الشرور ولم يعلن أمام الله التوبة والرجوع بكل قلبه. وكل من يرفض عمل المسيح الكفارى يستحق الدينونة الأبدية لأنه لم يحتم فى دم يسوع المسيح "لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم" (رو1: 18)، ويشهد أيضًا الرسول بولس على كل من لم يتب قائلاً: "لكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا فى يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة (رو2: 5)، فدينونته عادلة لأنه قدم طريقًا للخلاص وأنت لم تقبله "فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟!" (عب2: 3). فهذا الانتقام لا يعنى انتقامًا لكنه يعنى عدلاً لكل من يرفض طريق خلاصه ويبقى فى خطيته والنتيجة الحتمية هى الهلاك.
2- العدل الإلهى ليس فى الخطية فقط، بل أيضًا فى حكمه بين الناس وعدله فى تثبيت مملكته بالعدل "ثبت للقضاء كرسيه وهو يقضى للمسكونة بالعدل يدين الشعوب بالاستقامة" (مز9: 7-8).
وكقاضٍ يمكنه أن يحكم على المذنب، كما يحكم أيضًا على من يظلم غيره أو يهجم على غيره. فلا بد أن يقضى على الظالم والمفترى على أخيه. لهذا أرى كثيرًا من آيات الانتقام فى الكتاب المقدس تأتى على أعداء الرب وعلى المقاومين.
"تهللوا أيها الأمم، شعبه، لأنه ينتقم بدم عبيده ويرد نقمة على أضداده" (تث33: 43).
"الإله المنتقم لى والذى يخضع الشعوب تحتى" (مز18: 47).
"الرب منتقم من مبغضيه وحافظ غضبه على أعدائه" (ناحوم1: 2).
يشرح الرسول بولس هذ القضيه مؤكدًا أن الحاكم الأرضى موجود ومعين من الله ينتقم من كل متعدى وغاضب فيقول: "منتقم للغضب من الذى يفعل الشر" (رو13: 4).
لهذا الانتقام الإلهى هو العدل الإلهى من كل معتدٍ على أولاد الله وعلى حق الله.
3- هل ينتقم الرب من أولاده؟
"إلهًا غفورًا كنت لهم ومنتقمًا على أفعالهم" (مز99: 8).
وفى هذه الآية نرى الصفتين معًا.. غفرانه وانتقامه من أولاده.
وهنا تأتى كلمة الانتقام بمعنى التأديب، فالله لا ينتقم من أولاده. ولا يوجد أب ينتقم من أبنائه، لكنه يؤدبهم بهدف إصلاحهم وليس بهدف أذيتهم وإنزال العقاب عليهم كى يتوجعوا.. بل لكى يتأدبوا.
"لأن الذى يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به" (أم3: 12).
"إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين، فأى ابن لا يؤدبه أبوه؟" (عب12: 7).
4- هل سيحاسب الرب أولاده على أفعالهم فى الأبدية؟ بالطبع نعم "كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين" (مت12: 36). فسنعطى حسابًا "فإذًا كل واحد سيعطى عن نفسه حسابًا لله" (رو14: 12). لأننا جميعًا سنقف أمام كرسي المسيح لنعطى حسابًا عما فعلنا خيرًا كان أم شرًا" (2كو5: 10). هل هذا الحساب يتعارض مع غفرانه؟ بالطبع لا لأنه سيكون عتاب المحبة الرقيق بين الأب وأولاده. وسيكون هناك مكافأت عن كل خير فعلناه. وسنخجل من أنفسنا أمامه عن كل شر وضعف فعلناه أيضًا. هذا هو انتقامه منا كمؤمنين فى الأبدية لئلا نخجل منه فى مجيئه" (1يو2: 28).
ما أروع صفته كمنتقم! لأنه ينتقم لنا من أعدائنا، كما أنه يؤدبنا على عصياننا حتى نتوب ونرجع إليه. لهذا نؤمن فى مسيحيتنا أنه المحب المنتقم. إله رائع حتى فى غضبه "لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة" (ميخا7: 18). هذا هو مسيحنا وإلهنا.
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.