هل يعقل أن يولد الله ؟ !
سألني صديقي المتشكك سؤالاً جوهريًا بعد أن قرر أن يلقي تحية العيد على وقال:
نحن نعلم أن الله أزلي أبدي.. لم يلد ولم يولد.. فكيف تدفعني للإيمان بأن الله ولد من العذراء؟.. كيف يمكن لعقلي أن يقبل أن احتفال الميلاد هو للفرح بولادة الله في أرضنا؟ وعندما ولد الله صبيًا، هل كان الكون بدون إله؟. وهل فرغت السماء من خالقها عندما ولد هذا الصبي؟ إذن من كان يحكم هذا الكون العظيم في ذلك الوقت؟ إن هذا الأمر لا يحيرني فقط بل يعثرني أيضًا ويمنعني عن الإيمان بالمسيح. هذا الإنسان العظيم الذي عاش حياة نقية مقدسة وصنع أعظم المعجزات. ففي ميلاده من عذراء أعظم معجزة في تاريخه لأنه لم يولد من زرع بشر، بل ولد بمشيئة الله بحلول الروح القدس في العذراء مريم.. هذا ما أعقله. لكن إن المولود هو الله.. فهذا لا يقبله عقلي!!
الرد: لا نختلف كلنا على حياة السيد المسيح الطاهرة ومعجزاته العظيمة التي صنعها في أرضنا. لا نختلف على تعاليمه السامية التي تسمو بالإنسانية إلى درجة المثالية العظيمة. فالموعظة على الجبل أيضًا هى منهاج حياة لكل من يريدأن يعيش بالحب والسلام في أرضنا بل ولتتحقق اليوتوبيا الحالمة التي حلم بها الشعراء لتكون الإنسانيةالسامية المجردةمن الحقد والضغينة. لكن أيضًا لا نختلف على الميلاد المعجزي للسيد المسيح، فقد ذكر لنا إنجيل البشير متى بشارة الملاك للقديس يوسف النجار:"لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (متى1: 20، 21).
كما أيضًا لا ننسى بشارة الملاك للقديسة العذراء مريم بهذا الحبل وعندما سألته: "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 34، 35).
وهكذا أيضًا يشهد القرآن الكريم بهذا الميلاد "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين" (سورة آل عمران 45) "قالت أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًا. قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية" (مريم20-21).
فالميلاد المعجزي ليسوع المسيح من عذراء دون رجل حقيقة تقرها الأديان ومن هنا نقدر أن نقول بملء الفم: لقد ولد ابن الله. وقد جاء ابن الله إلى عالمنا لكي يصنع خلاصًاوفداء لخطية الإنسان بموته على الصليب والقيامة من الأموات، ولكن لكي يتضح لنا معنى ولادة ابن الله لابد أن نفهم حقيقتين مهمتين في هذا الموضوع ولكي نؤكد حقيقة ولادة الله في عالمنا لابد أن ندرك:
أولاً: سر الثالوث: الله واحد مثلث الأقانيم.
ثانيا: سر التجسد: الله ظهر في الجسد.
وسنتناول كل منهما في عجالة لتوضيح ما يخص حقيقة الميلاد.
أولاً: سر الثالوث المقدس:
1- نؤمن بأن الله إله واحد لا يتجزأ ولا ينقسم ولا نشرك في عبادته أحدًا، فالله واحد "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (تث6: 4)، بل يؤكد الله لموسى في الناموس: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" (خر 20: 3) وهكذا قال الرب يسوع المسيح للشيطان "اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (متى4: 10).
2- وحدانية الله ليست وحدانية مجردة، لكنها وحدانية جامعة شاملة لكل ما هو لازم لوجود صفات الله من الأزل قبل خلق الإنسان أو بعده. فهو من الازل وإلى الأبد محب ومحبوب.. عالم ومعلوم.. سامع ومسموع.. متكلم ومتكلم إليه.
3- لهذا نؤمن بما أعلنه لنا المسيح "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس (ولم يقل بأسماء بل باسم الله الواحد الآب والابن والروح القدس). فالله واحد مثلث الأقانيم. وكلمة أقنومهى كلمة سريانيةتعني تميزه عن غيره دون انفصال ومتحد عن غيره من دون امتزاج، فهو الله واحدفي الجوهر مثلث الأقانيم، وهذه الوحدانية فريدة تليق بالله الكاملالصفات من الأزل وإلى الأبد.
أقنوم الابن:فالابنلا يعني أن الله تزوج وأنجب ابنًا. حاشا لنا أن نقول هذا لكنها علاقة روحية لأن الله روح أزلي.
وهكذا في بشارة الملاك للقديسة العذراء مريم أعلن لها أنه يدعى "ابن العلي" "ابن الله" (لو1).
وقد أعلن الرسول يوحنا في الأصحاح الأولمن إنجيله عن أقنوم الابن المساوي للآب في الجوهر وقال "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله والكلمة كان الله هذا الذي في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 1- 3)، فأقنوم الابن هو الإعلان الإلهي للإنسان وهذا ينقلنا إلى السر الثاني لنفهم ولادة الله الابن.
ثانيًا: سر تجسد ابن الله:
نحن لا نؤمن أو نعبد إنسانًا قد ألهناه، لكنه الله الابن الذي تأنس وأتى في صورة إنسان. وعاش في أرضنا إلهًا كاملاً وإنسانًا كاملاً بلا خطية أو ذنب.
هذا ما أوضحه الرسول يوحنا في الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (يو1: 14). الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يو1: 18). وهكذا شهد الرسول بولس "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو2: 9)، فالابن قد تجسد وتأنس وأتى إلى عالمنالكي يقدم لنا التعليم والحق كما أيضًا لكي يصنع لنا خلاصًا بموته الكفاري عنا.
لكن هل هذا يعني أن الله قد ولد من امرأة؟ نعم فأقنوم الابن الله الابن الوحيد قد أخذ صورة إنسان وأتى إلى عالمنا مولودًا من امرأة.
ولكن هل هذا يعني أن السماء قد خلت من الله؟ حاشا.
لكن قد شرحها الرب بنفسه لنيقوديموس معلم الناموس قائلاً: "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 13).
فإن قلت إن الشمس تملأ غرفتي، فهذا لا يعني أنها تركت السماء وأتت لي لكنها ملأت الغرفة بضيائها وبهائها ومازالت في كبد السماء. فالابن هو الذي نزل من السماء، لكنه يملأ السماء لأن الله كلّي القدرة والحضور.
"وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1تي3: 16).
وكل عام وكل القراء الأعزاء بكل الخير والبركة. وبكل الإيمان واليقين في إلهنا الحي شخص الرب يسوع المسيح.
د. إيهاب ألبرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.