للتنمية الروحية

هـل الـلـه قـاضٍ ظـالـم ؟

هل الله قاضٍ ظالم ؟ وهل يتلذذ بإذلالنا حتى يستجيب صلواتنا ؟

سألنى صديقى المتشكك:

هل قرأت الأعداد الأولى من الأصحاح الثامن عشر من إنجيل لوقا ؟ وفيها يشرح الرب مثلاً فى غاية الخطورة، لأنه يكشف عن قلب قاس ومهانة أرملة.

يحكى المثل عن قاضٍ فى مدينة، لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا. فهو مثال لإنسان رديء يحمل قساوة قلب وليس ذلك فقط، بل أيضًا ظالم ولا يقوم بواجبه فى إنصاف المظلومين. فهل هذا مثال لإلهنا يصلح أن يحكى؟

لكن الأصعب من هذا تأتى إليه أرملة فقيرة. والأرملة تعنى ضياع السند والعضد وهي بلا رجل، لأن الله قد أخذ بعلها. فهى مظلومة من الله ثم أيضًا يظلمها الناس، لأن الأرملة فى اليهودية، كانت محل شكوك فى أنها قد تسير فى طريق الشر ونزيد على كل هذا يأتى خصمها ويظلمها أيضًا. فهل هذا يمثل الإنسان الذى يصلي ويطلب طلبة من الله؟

لم يكن المسيح موفقًا فى اختيار شخصيات هذا المثل. فهل الله قاضٍ ظالم ونحن نصلي كالأرملة المنكسرة.

والسؤال الأهم من ذلك: هل يعطينا الله استجابة بقدر ما نقلقه ونقمعه بصراخنا ؟ فيعطيها لنا حتى لا يتعرض لهذا الضغط من الصراخ والصلاة أمامه. وهل أيضًا يستجيب حتى نرحل من أمامه، فلا نعود نصلى مرة أخرى؟ فالمثل بشخصيات غير مناسبة وموقف غير مناسب. وهذ المثل وحده يعلن عن فكرة غير واقعية عن الله أو هو نفسه يتهم الله باتهامات تسيء إليه.

الرد:
هذا السؤال يستحق الاهتمام والتفكير، بل أدعوك قبل أن تقرأ الرد على هذا السؤال أن تقرأ النصف الأول من (لو18) من الأعداد (1-14) ومن هنا يجب أن

نفهم خلفية هذا المثل وكيف يمكن أن نفسره:
خلفية هذا المثل:

يحكى الرب يسوع هذا المثل أمام أناس يعانون من حالة البر الذاتى ويصفهم بأنهم "واثقين بأنفسهم بأنهم أبرار ويحتقرون الآخرين" (لو18: 9). فكانت الصلاة بالنسبة لهم هى مجاملة وهدية يقدمونها لله، ظانين أنهم مشكورون على صلواتهم. وكأن الله هو المستفيد من هذه الصلوات. وقد يكون أناس منهم باقين إلى يومنا هذا، ظانين أنهم يؤدون واجبات الصلاة وهم ممدوحون ومشكورون لأنهم يؤدون واجبهم دون أن يؤذوا أحدًا، فلا بد أن الله يقوم بواجبه هو أيضًا ويسهل أمورهم ولا يحتاجون إلى شيء. ومن هنا أصبحت الصلاة عبارة عن مصلحة ومجاملة نقدمها لله ليشكرنا عليها. وهذا فكر مخالف لفكرة الله عن الصلاة.

هدف المثل:

يأتى هدف المثل فى مقدمة الأصحاح "وقال لهم أيضًا مثلاً فى أنه ينبغى أن يصلى كل حين ولا يمل" (لو18: 1).

إن الدرس فى هذا الأصحاح عن الصلاة التى تستمر فى حياة الإنسان المحب لله كل وقت. فالدرس عن الاستمرار فى الصلاة والمواظبة عليها. حتى تتحول الصلاة إلى عادة مستمرة فى حياتنا. وإلى منهاج حياة نعيشه بكل رضا وحب دون كلل أو ملل "لهذا يقول ينبغي أن نصلى كل حين ولا يمل".

ما هو الشيء الذى لا تمل من تكراره باستمرار؟ وما هو الشيء الذى لا تتوقف عن تكراره؟
1- أن يكون شيئًا ممتعًا بالنسبة لك، فأنت تحب أن تقوم بعمل يشبعك ويفرح قلبك.

2- أن يكون الأمر مريحًا، فأنت تأخذ وتمتلك من الصلاة دون أن تخسر شيئًا. وأراد الرب أن يعلم أولاده أن الصلاة ليست فرضًا أو واجبًا نقوم به لكى نكسب رضا الله عنا، بل هى متعة وفرحة لقاء مع من تحب كما أنها بركة للحياة.

السؤال الأول: هل الله يمثل قاضى الظلم والإنسان أرملة مظلومة؟
هناك أمثال تعلن عن تشابه بالأصل. فيكون المثل عبارة عن تشبيه متطابق مع المشبه به، فنفهم قدرة وعظمة المثل وتتضح الفكرة بالتشابه، لكن قد تتضح الأشياء بالتضاد. فبعكس الأمور تظهر حلاوة الفكرة. فقد لا ندرك روعة اللون الأبيض وبريقه الأخذ إلا حين نضع بجواره اللون الأسود. فالتضاد والأفراط فى عكس الأمور يظهر جمال المعنى ويوضح الفارق.

لهذا لم يشبه المثل الله بالقاضى الظالم. كما لم يشبه الإنسان بالأرملة المظلومة. لكن إن كان القاضى الظالم قد أنصف الأرملة المنكسرة المظلومة بسبب استمرارها فى الطلب "أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه ينصفهم سريعًا" (لو18: 7).

فهو الله القاضى والعادل والمحب. ونحن أولاده الذى اختارهم بحبه حتى يصيروا قريبين منه ومختارى العلى ليقوموا بالكرازة والخدمة الموضوعة عليهم، لهذا لا بد أن ينصفنا سريعًا، لأننا أولاده المختارون وهو القاضى العادل.

فالتضاد يظهر عمق استجابة الصلاة من الله لأولاده. فالأب المحب يظهر جماله بالتضاد مع القاضى الظالم. والابن المحبوب يظهر غلاوته الأرملة المظلومة. فأكرر أن اللون الأسود يظهر جمال اللون الأبيض.

السؤال الثانى: هل الله يسعد بإذلال أنفسنا أمامه في الصلاة حتى يستجيب؟

بالطبع لا. هذه الصورة المغلوطة تظهر الله كأنه شخصية معوقة نفسيًا وسادية لأنه يسعد عندما يرى ذل أولاده وتضرعاتهم ولجاجتهم. وهل كلما صلينا أكثر هذا يدفع الله لكى يستجيب حتى نكف عن هذه الصلوات؟ هذا فكر مغلوط. ويحتاج إلى تصحيح.

أولاً: الله يفرح بلقاء أولاده. لقد طلب الله من موسى أن ينشئ خيمة الاجتماع لكى تكون مسكنًا له فى وسط شعبه "فيصنعون لى مقدسًا لأسكن في وسطهم" (خر25: 8). فكانت خيمة الاجتماع ليست مكان إرضاء الله بذبيحة، لكنها مكان سكنى الله فى وسط شعبه ليفرح بهم ويقودهم ويميزهم بوجوده معهم.

ثانيًا: كان درس اللجاجة يحمل درس الإيمان أيضًا "فكل ما تطلبونه فى الصلاة مؤمنين تنالون" (مت21: 22). لهذا عقب الرب على هذا المثل قائلاً: "لكن متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض" (لو18: 8). فالإيمان بحاجتنا والإيمان بأن الله يستجيب الصلاة يدفعنا للانتظار أمامه حتى يأتي بالاستجابة في الوقت المعين لديه والذى نؤمن أنه الأنسب لنا والوقت الذى يحمل الخير لنا "أنا الرب فى وقته أسرع به" (إش60: 22).

ثالثًا: أحيانًا تكون استجابة الرب لطلباتنا "انتظر!" وقد لا نفهم سبب الانتظار ونظن أنها للمماطلة ولكن "انتظر!" تحمل لنا بركات كثيرة.

1- انتظر حتى نجلس معًا ونتحاجج، فأصلح فى حياتك وأتلذذ بك.
2- انتظر حتى أقدم لك طلبتك فى الوقت المناسب لك.
3- انتظر حتى تمر الأيام، فتعرف أن هذه الطلبة ليست لخيرك.
4- انتظر حتى تنمو وتنضج روحيًا فى مدرسة الله بالانتظار أمامه.
لهذا لا يذل الله أولاده، لكنه كلى الحكمة والفهم والإدراك للحاضر والمستقبل، فيعمل رضى خائفيه، لهذا يؤكد الرب لنا: "أقول لكم إنه ينصفهم سريعًا" (لو18: 8).

بقلم/د. إيهاب ألبرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


طباعة   البريد الإلكتروني

أحدث الاضافات

logo

المقر الرئيسي - جمعية شبرا

العنوان : 12 ش قطة – شبرا- القاهرة

التليفون : 27738065 2 02+

بريد الالكتروني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تجدنا في الفيسبوك

الانضمام إلى قائمة المراسلات

ادخل بريدك الإلكتروني للاشتراك في قائمة البريد الإلكتروني

الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.
الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.

بحث...