هل يقبل الصبي يسوع سجودًا من عبدة الأوثان؟
أستغل هذه الفرصة لأهنىء القراء الأعزاء بعيد ميلاد رب المجد وبالعام الجديد، مصليًا أن يبارك العمل الروحي في كل كنائسنا وجمعياتنا ووسط كل الطوائف والهيئات المسيحية، لكي نهىء للرب شعبًا مستعدًا لمجيئه الثاني ونحن نعيش أيامًا أخيرة ننتظر فيها قدوم عريسنا.
ولهذا سأوضح في هذا المقال سؤالاً يطرحه بعض المتشككين عن ميلاد المسيح فيقول:
لماذا قبل الصبي يسوع المسيح - وهو الله الظاهر في الجسد- السجود من هؤلاء المجوس. وهو يعلم أنهم عبدة أوثان؟ وهم قدموا هداياهم له فقبلها منهم كيف هذا؟ لو كان يعرف قلبهم وعبادتهم لما قبل سجودهم وهداياهم!
الرد:
ولكي نجيب عن هذا السؤال لابد أن نفهم من هم المجوس والخلفية التي أتوا منها. ولماذا رتب الله أن يذهب المجوس ويقدموا السجود والهدايا.
أولاً: معنى كلمة مجوس:
هى كلمة يونانية "ملجوي" وذكرت في إنجيل متى "مجوس" (مت2: 1)، وهى تعني في الفارسية "كهنة وحكماء"، وهم طائفة من بلاد مادي وفارس، التي هى إيران حاليًا. وكانت دراستهم الأساسية في كل العلوم وبالأخص علوم الفلك والتنجيم والسحر. لذلك هم طائفة العلماء "وكان دانيال النبي هو كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين "(دا5: 11)، وهذا يعني أنه رئيس العلماء. لهذا المجوس هم طائفة العلماء والحكماء. ولم يكونوا عبدة الشيطان أو المتعاملين مع السحر، لأنهم لو كانوا عبدة الشيطان لما ذهبوا للسجود إلى الصبي يسوع.
ثانيًا من هم المجوس؟
هم طبقة من العلماء بين طبقة الحكام والشعب ونقرأ في ويكيبيديا عن المجوسية. أنها الزرادشتية لأنهم أتباع فيلسوف قديم يدعي زرادشت وهى ديانة قديمة جدًا بدأت مع زرادشت سنة 1500ق م في بلاد فارس وهو من قام بتبسيط وتجميع مجمع الآلهة الفارسي القديم ليعبدوا إلهًا واحدًا يسمى "آهورامزدا". وهناك اعتقاد خاطيء أنهم كانوا يعبدون النار. لكنهم في الحقيقة يعتبرون النار والماء أدوات من طقوس الطهارة الروحية.
سمعت بلاد مادي وفارس قديمًا عن المسيا المنتظر من اليهود المسبيين إلى بلادهم لسنين طويلة، فكانوا ينتظرون مجيء هذا المسيا. كما أن زرادشت فيلسوفهم تنبأ عن مجيء المخلص وأعلمهم أن ينتظروا إعلان مجيئه في السماء مع النجوم، لأن النجوم كانت لها سلطان على الشعب هناك. وتابع مجوسهم حركة النجوم ليروا مجىء المسيا.
هل حقًا تحرك النجم؟
في عام 1603 اكتشف العالم الفلكي "كبلر" أن هذا النجم كان نتيجة اقتراب بين كوكب المشترى وزحل وقد تم هذا الاقتراب تقريبًا عام 6ق. م ونحن نعلم أن ميلاد المسيح حدث عام 4- 5ق م وعندما رأى المجوس هذه الظاهرة سافروا من بلادهم حتى وصلوا إلى أورشليم وقد استغرق هذا السفر حوالي 4- 6 أشهر ثم من أورشليم نزلوا بقيادة النجم إلى مدينة بيت لحم القريبة من القدس حيث كان الصبي مقيمًا هناك.
ثالثًا هل نعرف عددهم؟
لم يذكر الكتاب المقدس عددهم لهذا افترضت الكنائس الشرقية أنهم 12 سائحًا لأهمية الرقم (12) (12 سبطًا و12 تلميذًا)، لكن افترضت الكنيسة الغربية أنهم 3 رجال لأنهم قدموا ثلاث هدايا. لكن في الحقيقة لا نعرف عددهم وهذا أمر ثانوي في الحديث عنهم.
رابعًا: هل زار المجوس الصبي يسوع في المزود؟
لقد وضعت القديسة العذراء مريم طفلها يسوع المسيح في المذود، لأنه لم يكن لهم موضع في المنزل (لو2: 7). لكن هل بقى يسوع المسيح مع والديه في المزود لفترة طويلة؟ بالطبع لا. لكنهم استأجروا بيتًا في مدينة بيت لحم، ليقضوا بعض الوقت قبل أن يسافروا إلى أورشليم لتقدمة ذبيحة كمال التطهير. وهكذا نقرأ عن المجوس "وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه" (مت2: 11) وكلمة البيت هنا تشير إلى انتقالهم إلى مكان مختلف عن المزود.
خامسًا: ما فائدة أن يذكر البشير متى قصة المجوس؟
لقد كتب متى بشارته موجهًا حديثه إلى اليهود، فكان يستشهد بكثير من أقوال الأنبياء. لكنه أراد أن يوضح لليهود أن المسيح لم يأت لشعب الله فقط، لكنه أتى ليخلص العالم كله. ولهذا أتى إلى الصبي جماعة المجوس الساجدين له.
ولهذا أحب أن ألخص سبب قبول المسيح لسجود المجوس وهداياهم.
1- أكد المجوس أن الرب يسوع هو المسيا المنتظر والتي تشير إليه كل النبوات القديمة فهناكأكثر من 300 نبوة عن المسيح في تفاصيل حياته، ولكنها تحققت في شخص الرب يسوع المسيح. ومنها أكثر من 13 نبوة تخص ميلاد المسيح بكل تفاصيل الميلاد.. فهو من نسل المرأة (تك3: 15)، (غلا4: 4) مولود من العذراء مريم دون زرع بشر ولهذا يسمى نسل المرأة،كما أنه من سبط يهوذا (تك49: 10)، (لو3: 23).
2- ليؤكد أن يسوع المسيح لم يأت ليتقابل مع شعبه فقط من اليهود، لكنه أتى ليخلص كل العالم من الأمم واليهود. ففي مشهد المجوس وسجودهم نرى أحضان الله مفتوحة ليعطي خلاص لكل البشر. لقد سمح الرب يسوع بزيارة الفقراء والأغنياء. وسمح بزيارة اليهود والأمم. وسمح بزيارة ومقابلة الشيوخ والشباب. لقد جمع كل شيء في نفسه "ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد" (يو11: 52).
3- أعلن المجوس إيمانًا مذهلاً بالمسيح. فتضحيتهم بالسفر الطويل للوصول إليه، ولم يكن لديهم عنوان مكان واضح، فذهبوا إلى أورشليم وسألوا الملك والكهنة وكتبة الشعب حتى عرفوا مكان بيت لحم وقادهم النجم مرة أخرى ليصلوا إلى البيت في مدينة بيت لحم. هنا يعلن عن إيمان رائع بشخص يسوع المسيح بل وطاعة واستعدادللتضحيةلأجل السيد من آمنوا به. لقد أعلنوا إيمانهم بسجودهم وهداياهم. وكل من يقبل إلى المسيح ويؤمن به لا بد أن ينال باسمه غفران الخطايا.
4- خضوعهم للقيادة الإلهية بعد انتهاءهم من الزيارة "إذ أوحى إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم" (متى2: 12)،لقد ميزوا صوت الله لهم مع أنه لم يظهر لهم ملاك أو لم يسمعوا صوتًا أو حتى ساروا وراء نجم. لكنهم سمعوا صوت قيادة الله لهم عن طريق الوحي في لم. لقد ذهبوا إلى المسيح بعيان النجم وقيادته، لكنهم خرجوا بعد سجودهم ليسيروا خلف قيادة الله القريبة من آذانهم وعقولهم. ففي سجودهم تعلموا الكثير.
لهذا تجلى في مشهد المجوس نعمة المسيح الغنية وإعلان الفرحة بالمسيا المخلص.
5- يقال إن الهدايا التي قدمها المجوس ذهبًا ولبانًا ومرًا مع ما تحمله من رموز لتعلن عن يسوع الملكوالكاهن والمتألم. لكن هذه الهدايا أيضًا كانت هى السند المالي للعائلة المقدسة في سفرها إلى مصر وقضاء سنتان هناك ثم العودة إلى الناصرة مرة أخرى. لهذا كان الترتيب السماوي بتغطية نفقات رحلة العائلة المقدسة عن طريق الهدايا.
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.