هل يقصد المسيح أن نتبعه دون تفكير؟
كتب أحد الشباب المفكر الذي أعتز بصداقته على الفيسبوك سؤالاً أثار جدلاً هامًا ونحتاج أن نفكر فيه ونجيب عليه. وكان نص السؤال:
من ضمن كل التشبيهات والكائنات، لماذا شبه المسيح أتباعه بالخرفان أو القطيع؟ محتاج رد مقنع.
فكان رد أصحابه عليه:
أ- لأن الراعي بيحب خرافه وبيهتم بهم.
ب- لأن الخروف عندما يضل طريقه لا يعرف أن يعود مرة أخرى إلى مكانه، فهو حيوان غبي وغير مبتكر بل مقلد ولا يفكر.
فكان الرد عليهم أيضًا بتوضيح مهم:
تشبيه الراعي تشبيه سيء ولا يصلح لأن يكون مثالاً للرب يسوع، لأن الراعي يرعى قطيعه علشان يستفيد منه لأنه يبيعه أو يذبحه ليأكل لحمه، فهى علاقة لمصلحة الراعي لا حبًا في الخروف لكن للانتفاع منه.
ثم أن الخروف حيوان غبي يتبع الراعي دون تفكير. فهو مضرب المثل في شخص معدوم الشخصية. وهكذا يمشي الخروف خلف الراعي دون تمييز أو تفكير. حتى إنه يمشي وراءه حتى إلى الذبح. هل المسيح يطلب منا أن نسير خلفه دون تفكير أو تمييز.
وهنا نحتاج أن نفهم ما قدمه لنا الكتاب المقدس في هذا المجال لنفهم الحق الذي قصده السيد المسيح دون تحميل أو تأويل.
الرد:
أولاً: لقد تحدث المسيح بتشبيهات وأمثال كى يستطيع أن يصل إلى قلب سامعيه، فبدلاً من تقديم الأفكار المجردة في كلمات أكاديمية جافة قدمها بطريقة تشبيهات وأمثال، لكنه كان يشرح هذه التشبيهات والأمثال لتلاميذه ولتابعيه، حتى لا يتركهم متحيرين.
"فتقدم التلاميذ وقالوا له: لماذا تكلمهم بأمثال فأجاب وقال لهم: لأنه قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات أما أولئك فلم يعط، فإن من له سيعطى ويزداد وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه" (متى13: 1- 12). لهذا من له إيمان وفهم لكلمة الله سيستطيع أن يذهل منها ويشبع بها ويقول اللاهوتي ماك آرثر في هذا الصدد "كانت الأمثال والتشبيهات أمرًا شائعًا في التعليم اليهودي، لذلك يظهر التعبير اليوناني لكلمة "مثل" 45 مرة في الترجمة السبعينية.
ثانيًا: في كل تشبيه هناك يوجد 4 أمور هامة: المشبه - المشبه به - وجه الشبه الذي يقصده - القائل.
لهذا لابد أن نضع في الاعتبار أن هناك وجه شبه في الصورة وليس كل الصورة أى أنه لا يمكن أن نأخذ التشبيه بكل تفاصيله وكل مفارقاته، لكننا نأخذ الشبه من وجهة نظر قائلة ليوضح فكرة واحدة. ولأن الرب يسوع قصد أن يوضح وجه شبه في كل تشبيه لا كل التشبيه، فليس لزامًا علينا أن نعيش كل صفات الخروف وحياته لكى نتبع المسيح المشبه به بالراعي، لكننا لابد أن ندرك وجه الشبه لنعيشه.
فمثلاً عندما قال السيد: "كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام "(متى 10: 16)، فهذا يوضح لنا أمرين:
1- تمييز الصفة الجيدة في كل تشبيه للتمثل بالصفة وليس بالحيوان.
2- هذا بالطبع لا يعني أن نصير كالحية في مكرها وخداعها وبث سمومها، لأنه شبه إبليس بالحية وسيظل اسمه الحية القديمة " فطرح التنين العظيم، الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان، الذي يضل العالم كله، طرح إلى الأرض، وطرحت معه ملائكته"(رؤ12: 9)، فهذه ليست دعوة لهذا العمل.
ثالثًا: استخدم الرب تشبيه الراعي والخراف وهو تشبيه مناسب لهذه البيئة التي كانت تعيش فيها أرضه في ذلك الوقت. فأرض فلسطين هى أرض مليئة بالمراعي الخصبة وكانت مهنة الرعى من المهن الكثيرة والمنتشرة، فأغلبهم كان يعمل في الرعي وفي الزراعة وفي صيد الأسماك لهذا استخدم الرب هذه التشبيهات الثلاثة في الحياة المسيحية ليفهم مستمعوه أعماق هذه الأفكار، لأنها تمس بيئتهم وحياتهم اليومية.
كما استخدم أنبياء العهد القديم هذه التشبيهات حين تحدثوا إلى الشعب بفم الرب، فكتب حزقيال النبي: "لأنه هكذا قال السيد الرب هأنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة" (حز34: 11، 12). لهذا كان شائعًا استخدام هذا التشبيه. كما كتب داود الذي عمل في رعي غنم أبيه "الرب راعى فلا يعوزني شيء" (مز23: 1). لهذا كان شائعًا استخدام هذا التشبيه.
رابعًا: في الحقيقة أن الخروف هو حيوان طيب وبسيط لكنه غبي، فأحيانًا يسير لوحده ويضل طريقه ولا يعرف كيف يعود. وهذا ما يحدث معنا حينما نترك الراعي ونذهب بعيدًا. لكنه في محبته الغامرة يفتقدنا ويأتي إلينا إلى حيث أوصلتنا خطايانا ويردنا إليه. هذا ما كتبه إشعياء قديما" كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه" (إش53: 6).
خامسًا: لم يطلب منا الرب أن نتبعه دون فهم أو تفكير، بل على العكس تحدث إلى الجموع وشرح لهم طريق الخلاص مرات ومرات لكي يفهموا ويدركوا الحياة الأبدية في شخصه الكريم.
وتحدث الرسول بولس عن الذهن والفكر والتعقل في آيات عديدة، لأنه طلب أن يستنيروا ويفهموا كلمة الله.
لقد أعطى الرب للإنسان قيمته وإرادته الكاملة في التبعية، ولم يجبره على فعل شيء دون إرادته. وبالتالي لم يطلب منا أن نتبعه كقطيع غنم دون فهم أو وعي بل أعطانا الحرية أن نسير خلفه أو نتركه بكامل إرادتنا.
سادسًا: لم يتحدث الرب في وسط تشبيهات الراعي والخروف عن الذبح أو استغلال الخروف، بل على العكس فعندما تحدث عن الذبح كان هو نفسه الحمل المقدم ذبيحة عنا، فتنبأ عنه إشعياء قديما "كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش53: 7) وأشار إليه يوحنا المعمدان: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 36)، وسنراه في المجد أيضًا بعد ذلك كما رآه يوحنا الرائي "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6).
لهذا نحتاج أن نأتي إلى هذا الحمل الوديع، لنلقي على كتفيه ضلالنا وغباءنا ونأخذ فداءه وخلاصه وكلمته. وهذه هى بدلية الصليب فنصير من قطيعه الذي يتبعه عن وعي وفهم وبكامل حريتنا، فنتمتع برعاية هذا الراعي المخلص الصالح لحياتنا.
لذلك أدعوك عزيزي القارىء أن تقرأ (يوحنا 15) وهو الأصحاح الذي أوضح فيه السيد عمله كراع صالح بذل نفسه عن خرافه. وأدعوك أيضًا أن تتبعه وتسير خلفه لتتمتع بكامل رعايته.
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.