هل نظرية الانفجار العظيم تلغى الأصحاح الأول من سفر التكوين؟
سألني صديقي المتشكك....
هل مازلت تؤمن بوجود الله بعد اكتشافى نظرية الانفجار العظيم (big bang) ؟
إن العالم الحديث قتل فكرة التمسك بالدين. وانتصر على الأصحاح الأول من سفر التكوين الذى يتحدث عن عملية خلق إلهية معجزية. فنظرية الانفجار العظيم (bin bang) تمنعنى من قراءة هذا الأصحاح. هذا ما اكتشفه العلم، فهل لك أن تجادل ضد علم فزياء الفلك؟ لقد اكتشف هذه النظرية عالمان (آرت بينزياس وروبرت ويلسون) حوالى عام 1964م، وقد نالا على هذا الاكتشاف جائزة نوبل في العلوم سنة 1973م. فما هو ردك على هذه النظرية؟
رد:
إن اكتشاف نظرية الانفجار الكبير (big bang) هى من أعظم اكتشافات العصر الحديث فى علم الكونيات والفلك وهى واحد من أعظم النظريات التى تتحدث عن نشأة الكون فى بدايته ونحتاج أن نسرد فكرة هذه النظرية حتى نتمكن من فهمها والرد عليها من خلال كلمة الله الثابتة. بل والحية والفعالة على مر العصور والأجيال وستظل ثابتة بالإيمان الحقيقى بالله القادر على كل شيء.
أولاً: مضمون وفكرة الانفجار الكبير (big bang)
تعتمد فكرة النظرية على أن الكون يومًا ما كان جزءًا واحدًا فى نشأته. كان فيه درجة حرارة عالية جدًا (10مليارات فهرن هيت) مع كثافة شديدة. وفى لحظة من الزمان حدث الانفجار الكبير من حوالى 13.8 مليار سنة. وهذا هو عمر الكون الذى قاسه العلماء. وبعد هذا الانفجار برد الكون وتمدد بما يكفى لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوين نوايات ذرية خلال الثلاث دقائق التالية لهذا الانفجار إلا أن الأمر احتاج لآلاف السنين قبل تكون ذرات معادلة كهربيًا.
معظم الذرات التى نتجت من هذا الانفجار كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتكون النجوم والمجرات وتشكلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمى. وتقدم نظرية الانفجار العظيم شرحًا وافيًا لمجموعة واسعة من الظواهر المرئية بما فى ذلك توفر العناصر الحقيقية، والخلفية الإشعاعية للكون والبنية الضخمة للكون كما تفسر اتساع المسافة بين المجرات لأنها كانت أقرب إلى بعضها البعض فى الماضى وتتسع تدريجيًا بطريقة منتظمة محددة وبسرعة بطيئة للغاية. حتى إن المسافه بين الأرض والشمس حوالى (150 مليون كيلو متر) تزداد سنويًا بحوالى عشرة أمتار. ونلاحظ أنه رقم ضئيل جدًا مقارنة بالمسافة الحقيقية بين الأرض والشمس حوالى (150مليون كيلو متر) وهذا ما يسمى بالتردد الكونى.
بدأت فكرة فرضية الانفجار الكبير (big bang) فى عقل الكاهن الكاثوليكى والعالم البلجيكى جورج لومتر عام 1927م وبعده انطلق العلماء فى تتبع أصل الكون وما الذى أدى إلى تكون صورة الكون الحالية.
ومن هذه النظرية أمكن حساب عمر الكون (13.798 مليار سنة) وقد كانت درجة الحرارة قبل لحظة الانفجار الكبير عالية جدًا (10 مليار فهرن هيت) وقد احتوى الكون على مجموعة ضخمة من الجسيمات كالنترونات والإلكترونات والبروتونات التى اتحدت معًا اثناء برودة الكون حتى تكونت الجزيئات والذرات ثم حدث التطور العضوى لنشأة الحياة.
الرد على هذه النظرية؟
أولاً: الرد العلمى
استقى هذا الرد من (الويكيبيديا الموسوعة الحرة) وهو رد أحد علماء الفيزياء العظام فقال: "إن هذه الفريضة هى أقرب إلى الحقيقة وتفسر لنا كسير من الظواهر الفيزيائية، لكنها ليست كل الحقيقة فهى تحمل جزءًا فرضيًا تخيليًا. لأن درجة الحرارة العالية والكثافة العالية التى تعلنها هذه النظرية هى حسابات فيزيائية دون تجربة فعلية عملية. لأنه بالرغم من أنه يمكن من لجهاز مسرع الجسيمات الكبرى استنساخ تلك الظروف لتأكيد وصقل تفاصيل نموذج الانفجار العظيم، إلا أن تلك المسرعات لم تتمكن حتى الآن من البحث فى الأنظمة عالية الطاقة وبالتالى، فإن حالة الكون فى الحظات الأولى للانفجار مبهمة وغير مفهومة. كما لا تقدم نظرية الانفجار العظيم أى شيء للحالة الأولية للكون بل تصف وتفسر التطور العام للكون منذ تلك اللحظة.
ثانيًا: الرد المنطقى
1- إن النظريات العلمية عمومًا قد تحمل كثيرًا من الحقائق والنجاحات، لكنها قد تحمل أيضًا بعض الفشل والنقاط الغامضة. وقد فسرت لنا هذه النظرية الكثير، لكنها ستظل تحمل كثيرًا من علامات الاستفهام التى لم تقدر أن تجيبها لهذا هى ليست أمرًا نهائيًا لا يقبل النقاش. لكنه يحمل الصواب والخطأ فى كثير من التفاصيل.
2- حاولت نظريت الانفجار الكبير أن توضح فكرة عن نشأة الكون. لكن لا أرى تعارضًا بينها وبين ما سجله الوحى المقدس فى سفر التكوين الأصحاح الأول "فى البدء خلق الله السموات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور" (تك1: 1-3)، فحقًا كانت الأرض خربة وخالية. وحقًا قال الله ليكن نور.. وكلمة الله (كان نور) تحمل قوة وطاقة عظيمة ما يوازى الانفجار العظيم. فالعلم يشرح ما فى داخل الكلمة من قوة مما يجعلنى أتمسك بإلهى وأثق فى قدراته وقوته.
3- أعلنت نظرية الانفجار عن ظهور النور مع عنصر الزمن فقالوا: "لم يكن نور الضوء قادرًا على اجتياز هذا الخليط الساخن ولكن على مر العصور التفت هذه الإلكترونات الحرة بنوى وشكلت ذرات متعادلة مما سمح للضوء أن يشع بعد حوالى (380 ألف سنة) من الانفجار العظيم، ثم بعد ذلك تجمعت بعضها معًا لتكوين الشمس والقمر والنجوم. هذا النور البدائى الذى يدعى أحيانًا بغسق الانفجار العظيم أطلق عليه علماء الفيزياء أشعاع الخلفية الكونية (CMB)" (ويكيبيديا الحرة).
وقد يكشف لى هذا الفرض ما سجله الوحى فى سفر التكوين ففى اليوم الأول من أيام الخليقة خلق الله النور: "وفصل الله بين النور والظلمة ودعى الله النور نهارًا والظلمة دعاها ليلاً" (تك1: 4-5) ثم فى اليوم الرابع "وقال الله لتكن أنوار فى جلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين وتكون أنوارًا فى جلد السماء لتنير على الأرض وكان كذلك" (تك1: 14-15).
وقد كتب الفاضل العالم القس "منيس عبد النور" فى مجمل إجابته عن سؤال فى هذه الآيات: "أن الشمس ليست هى المصدر الوحيد للنور. ولابد أنه كانت هنا أنوار كونية قبل أن تتشكل الشمس فكانت أضواء الغيوم السديمية تضئ الكون ثم خلق الله الشمس والقمر والنجوم" (كتاب شبهات وهمية حول الكتاب المقدس).
لهذا النوع البدائى الذى خلقه الله فى اليوم الأول هو ما يعلنه العلماء بعد 380 ألف سنة من الانفجار العظيم ثم بعد ذلك بزمن طويل تكونت الشمس والقمر.
وهكذا يتطابق العلم مع كلمة الله وهى أثبت من كل العلوم لأن كاتبها ومبدعها هو الله ذاته صاحب الكلمة "ليكن نور".
4- أؤمن أن الله خالق الكون كله وأبدعه والدليل هذا الاتقان الشديد فى خلقه "لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى إنهم بلا عذر" (رو1 :2). فلو كان هذا الانفجار العظيم عشوائيًا لخلق دمار وخراب، لكنه انفجار منظم متقن يحمل حسابات دقيقة ويؤدى إلى نشأة هذا الكون الدقيق الصنع، فلابد من وجود قوة منظمة لهذا الانفجار. ومبدعة لهذه اللحظة الكونية التى استطاع العلم أن يرصدها ويسجلها بعد آلاف السنين من خلق الإنسان وهذا يؤكد وجود الله وقوته السرمدية الأزلية كما أيضًا الأبدية.
فعنصر الدقة والاتقان يعلنان بوضوح كامل عن الله خالق الكل وضابط الكل.
5- إن نظرية الانفجار العظيم لا تتعارض جملة وتفصيلاً مع الأصحاح الأول من سفر التكوين، بل على العكس تكشف أسراره وتوضيحه. فكيف لنا أن نفهم الكلمات الإلهية "ليكن" إلا أنه يقود عملية الخلق فى طرق فيزيقية بقوة خارقة للعقل ليصل بالكون إلى هذا الإبداع المنظم، فإيمانى بالله القادر على كل شيء يزداد يومًا بعد يوم بالقراءة فى كتب العلم الكونى لأن هذا الإبهار وهذه المنظمة التى لم يقف العلم عن كشف أسرارها هى إنتاج عقل وفكر وقوة غير محدودة تليق بالله الخالق الغير محدود.
لهذا نحن نؤمن بالله الأزلى الأبدى خالق الكون كله فى نظام ودقة وكلمته "ليكن نور" تحمل طاقة ما وصفها العلم بالانفجار الكبير.
د. إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.