هل حقاً كان يهوذا يستحق لقب ابن الهلاك؟
والسؤال المهم: لماذا اختار المسيح واحدًا من تلاميذه من الهالكين.. لماذا لم يحسن اختيارهم؟.. ولماذا دعاه شيطانًا وهو تلميذ؟
هناك سؤال آخر.. ما ذنب يهوذا لكى ما يستخدمه الله في خيانة السيد فيصير ابن الهلاك؟.. وهل كان يستحق الهلاك حقًا؟
هل يعد الله أناسً اللهلاك.. وأناسًا للحياة الأبدية. ولو كان هكذا، فما ذنبى أنا لهلاكى؟ تحدثنا في العدد الماضي عن تفاسير مختلفة لماذا أقدم يهوذا على تسليم المسيح لصالبيه، وإذا كان مجئ المسيح من أجل الصلب هنا يأتى سؤال مهم.
ما ذنب يهوذا في هذا الأمر؟
لقد اختار الرب التلاميذ وكان يعرف أن يهوذا شيطان متحرك معه ودخل الشيطان إلى قلب يهوذا بعدما أكل عشاء يوم خميس العهد "فبعد اللقمة دخله الشيطان" (يو13: 27).
الإجابة:
لقد وجد الشيطان في يهوذا الرجل المناسب ووجد في قلبه الجو المناسب لكى يدخل فيه ويمتلكه.. وهنا لابد أن نوضح أن الشيطان لا يملك القدرة على دخول قلب إنسان رغمًا عن إرادته.. لكن لابد أن قلب يهوذا كان مهيًا لقبول الشيطان بل بحبه للمال والسلطان قدم الدعوة واضحة لدخول الشيطان.
ويبدو أن الشيطان وجد طريقه إلى قلب يهوذا مبكرًا في طريق تبعية السيد، فقال يسوع في بداية خدمته: "أليس إنى أنا اخترتكم الاثنى عشر وواحد منكم شيطان؟" (يو6: 70)، ولم يكن الرب يسوع يسب يهوذا بل يصف حالته لأن كلمة الشيطان تعنى "المشتكى" وهو كابن الله يعرف كل شىء ويعرف أن يهوذا هو الذى سيسلمه.. لكنه دعاه لتبعيته ليكون له حرية الاختيار، إما أن يتبع السيد بأمانة وإخلاص ولا يعطى إبليس مكانًا (أف4: 27) أو يسير وراء أهواء قلبه وشهواته ويسمع غوايات الشيطان وينفذ خطط فكان هذا للأسف هو اختيار يهوذا وصار مثالاً لمن يسلم نفسه للشيطان ويكون مصيره الهلاك الأبدى.
ما دامت هناك نبوات عن يهوذا في العهد القديم.. فهو أتى لتنفيذ النبوات.. وليس عليه أى ذنب؟
نعم لقد أتت نبوات عن يهوذا في العهد القديم، فيكتب داود المرنم: "أيضًا رجل سلامتى الذى وثقت به أكل خبزى رفع على عقبه" (مز41: 9) وقد ذكر السيد بنفسه هذه النبوة (يو13: 18). وأيضًا يكتب داود مرة أخرى "لتكن أيامه قليلة ووظيفته ليأخذها آخر" (مز109: 8).
والنبوة تحدثنا عن أحداث ستحدث فيما بعد يعلنها الروح القدس في كلمته لتأكيد الوحى المقدس.. كما أيضًا تكتب لإنذارنا وتحذيرنا لئلا نكون نحن من تنطبق عليهم هذه اللعنة. لهذا ذكر النبوة في العهد القديم لا يقف في صف يهوذا لتبرئته، لكنها تقف في صف إدانته، لأنه كان يجب أن يتحذر منها ويبعد عنها.
يذكر الوحى المقدس نبوات كثيرة في العهد القديم عن الرب يسوع في مجيئه وعن خيانة يهوذا له.. هذه النبوات بعلم الله السابق يعلنها ولابد أن تحدث، لكن كان على يهوذا أن يتحذر بها، وإن امتنع يهوذا عن المشاركة في هذا الإثم ستحقق النبوات بآنية هلاك أخرى وينجو يهوذا بنفسه.
يقول جون ماك آرثر عن تعبير "ابن الهلاك" أنه تعريف بيهوذا عبر الإشارة إلى مصيره الذى اختاره لنفسه.. الهلاك الأبدى.
إذا هل كان الله يعد يهوذا ليكون إناء للهلاك؟
لأن الرسول بولس يتحدث عن آنية الهلاك "فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويدين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك" (رو9: 22)..
هل يدفع الله أناس للهلاك ليتمموا خطته؟
فقد يكون يهوذا أحد الآنية التى أعدها الله للهلاك لكى تجد من يسلمه.. وفي هذه الحالة يكون يهوذا خادمًا للسيد في تسليمه له لتتميم الخلاص.. فلماذا يهلك؟
الإجابة:
هذا الحديث يحمل منطقًا مقلوبًا وفكرًا لا يمكن أن نجده في مشيئة الله وكتابه.
فالله لا يحب أن يهلك أحد.. بل على العكس هو أتى ليخلص "لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (يو3: 16).
لكن من الآية المذكورة أعلاه في (رو9: 22) يوضح الرسول بولس حقًا جميلاً أن هناك أناسًا اختاروا لأنفسهم طريق الشيطان وقرروا أن يكونوا آنية تغيظ الله وتنكره، فينالوا النتيجة الطبيعية أنهم مهيأون للهلاك.. ومع هذا احتملهم الله ولم يهلكهم سريعًا وتأنى عليهم لكى لا يكون لهم فرصة للرجوع والتوبة القلبية.. هذا اختيارهم "الغضب والهلاك" واحتملهم الله وانتظر عليهم لكى يعلن مجده لهم وبهم.. مثلما عمل مع فرعون في أرض مصر وكان من الممكن أن يفنيه من أول مرة، لكنه تأنى عليه فيكون له فرصة للتوبة أو يعلن الله مجده فيه لهلاكهم.
ويعلق المفسر الشهير وليم آدى على هذه الآية ويقول: "يذكر بولس الرسول هنا علتين لقصد الله من هلاك الخاطىء.. الأول ليعلن غضبه وكراهيته للخطية.. فالله لا يكره الخاطى بل يكره الخطية لأنه قدوس.. وهو واضع الناموس والقانون "لأن أجرة الخطية هى موت" (رو6: 23)، فيعلن غضبه على الخطية بعقاب المتعدين.. والثانية لكى يرى الخاطى قوة الله التى استخف بها، فظن أنه يفلت من العقاب.. فالله يعلن غضبه على الخطية وقدرته على العقاب. كما أنه قال عنهم:"آنية غضب مهيأة للهلاك" لم يقل إنه هيأهم للهلاك بل هم من هيأوا قلوبهم لذلك.
السؤال الأخير: هل كانت هناك فرصة لتوبة يهوذا؟
لقد أخطأ يهوذا عمدا مع سبق الإصرار وذهب بنفسه إلى رؤساء الكهنة ليطلب تسليم يسوع (مت26: 14- 16).. وحدد السعر المناسب لفعلته وحدد الزمن والعلامة لتسليمه.. فالقصة مكتملة والتهمة ثابتة عليه، لكن هل كان هناك فرصة للتوبة.
تعددت فرص التوبة عند يهوذا حتى دون أن يعطل قصة الصليب:
1- واجهه السيد بخطيته وحذره من العواقب حينما قال: "إن واحد منكم يسلمنى، فأجاب يهوذا مسلمه وقال هل أنا هو يا سيدى قال أنت قلت" (مت26: 21، 25)، وكان يمكن له عندئذ أن يتوب ويوقف مشاركته في هذه الخطية.
2- عتاب بكلمات الحب الرقيقة من فم السيد في بستان جثسيمانى "قال له يسوع يا صاحب لماذا جئت" (مت26: 5).
لقد كانت "يا صاحب" مفتاحًا يمكن يفتح قلب يهوذا ليعود إلى رشده ويسأل نفسه: "لماذا جاء" ما الفائدة التى عادت عليه من فعلته هذه.. لكنه استمر في عناد قلبه مغلقًا أذنه أمام كلمات الحب.
3- ثورة ضميره في داخله، فيؤكد الوحى المقدس أنه "ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً: قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا" (مت27: 3، 4)، إلا ترى أن ترى أن هذا اعتراف واضح بخطيته وتوبة قلبية وهو يصرخ أخطأت.
لقد كان ثورة ضمير لكنها لم تصل إلى التوبة:
لأنه قالها لمن لا يعنيه هذا.. قالها لرؤساء الكهنة.. وكان يحتاج أن يقولها للرب يسوع المسيح.
لأنه لم يستكملها بالرجوع إلى الرب بل تحت سطوة الشعور بالذنب خنق نفسه (مت27: 5).. كان يجب عليه أن يمضى بالدموع إلى الرب ويتوب عن شر قلبه وأثق أنه كان له مكان للتوبة لو كان قدمها بصدق للرب.
د. إيهاب البرت