1- هل حقاً كان يهوذا يستحق لقب ابن الهلاك؟
"حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتنى وحفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب" (يو17: 12).
الإجابة:
دعونا أولاً ندرك ونراجع قصة يهوذا الإسخريوطى لكى نفهم خلفية الأمر قبل الخوض فيه.
كان يهوذا من قرية في جبال اليهودية تدعى "قريوت" لهذا دعى الإسخريوطى وهى كلمة عبرية "آيش كريوت" أى رجل من قريوت".. وكان دائمًا يدعونه بهذا اللقب لتمييزه عن تلميذ آخر من التلاميذ يدعى يهوذا أخو يعقوب أو يهوذا أخو الرب وهو صاحب رسالة يهوذا " أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟"(مت13: 55)، " أليس هذا هو النجار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ههنا عندنا؟» فكانوا يعثرون به"(مر6: 3) ولهذا كان يلقب بيهوذا ليس الإسخريوطى" قال له يهوذا ليس الإسخريوطي:«يا سيد، ماذا حدث حتى إنك مزمع أن تظهر ذاتك لنا وليس للعالم؟" (يو14: 22).
لم نعرف متى دعاه المسيح لتبعيته.. ولكنه استمر في تبعية السيد كل مدة خدمته حتى ليلة تسليمه في بستان جثسيمانى.. مع أن كثيرين مضوا وتركوا تبعية السيد في "من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه"(يو6: 66)، لكنه استمر في السير وراءه.
كلف الرب يسوع يهوذا بحمل مسئولية أمانة الصندوق.. وبدلاً من أن يخدم المسيح بأمانة في هذا الأمر ملأ الطمع والأنانية قلبه لكى يسرق كل ما يقدم للرب من تقدمات.. وكان التلاميذ والرب نفسه يعرف ذلك بشهادتهم، فشهد عنه يوحنا الحبيب "قال هذا ليس لأنه كان يبالى بالفقراء بل لأنه كان سارقًا وكان الصندوق عنده وكان يحمل كل ما يلقى فيه" (يو12: 6).. وقد أعلن السيد هذا الحق: "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين.. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (يو6: 24).
لكن يبقى سؤال مهم.. لماذا أسلم يهوذا الإسخريوطى المسيح في يد أعدائه؟
لست أظن أن يهوذا قد أسلم المسيح ليأخذ ثلاثين من الفضة لأنه مبلغ زهيد جدًا ولا يساوى ثمن عبد في أيامهم.. ولو كان هكذا لطلب مبلغًا أكبر ليسلمه.. كما أن الصندوق المالى معه يمده بأكثر من هذا المبلغ بكثير.. لهذا اختلف الشراح في توضيح هدف هذه الخيانة.. لكنها قد تحمل:
1- الغيرة والحسد من السيد ومن بقية التلاميذ: فلم يجد نفسه مقربًا من السيد مثل بطرس ويعقوب ويوحنا الذين رافقوا السيد على جبل التجلى وفي كثير من المواقف الهامة. ولم يأخذ وعدًا بكرسى عن اليمين واليسار في ملكوت الله مثلما حدث مع يعقوب ويوحنا (في سوء فهمهما) لهذا كان يمتلىء غيرة من السيد "والتلاميذ المرافق لهم.. فأراد أن يتخلص من الكل.. وهذا ما أدركه بيلاطس عن رؤساء الكهنة وتابعيهم "لأنه عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسدًا (مر15: 10)، وهكذا كان يهوذا أيضًا مثلهم وداعمًا لهم.
2- حب السلطة: وقد يكون حب التخلص من الحكم الرومانى المستعمر لتعود أمة إسرائيل إلى مجدها بملك أرضى قوى مثل الرب يسوع، فقد ظن يهوذا أن المسيح أتى إلى عالمنا ليملك على الأرض.. أو ليحرر شعب الله من المستعمر.. وهذا ما كان ينتظره اليهود.. ودفعهم إلى الترحاب به في دخوله إلى أورشليم.. وهذا أيضًا ما اتهمه به رؤساء الكهنة وأسلموه إلى بيلاطس بهذه التهمة كأنه يريد أن يقود الشعب في ثورة ضد المستعمر ويملك عليهم.. لهذا سأله بيلاطس في أول لقاء مع المسيح: "فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود؟"(يو19: 20)
وكتبها بيلاطس بثلاث لغات لكى يعلن أمام العالم تهمة السيد.. مع أن السيد له كل المجد أجاب عن هذا الأمر بوضوح أمام بيلاطس: "أجاب يسوع مملكتى ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتى من هذا العالم لكان خدامى يجاهدون لكى لا أسلم إلى اليهود" (يو18: 36) وأظن أن يهوذا أراد أن يضع المسيح في موقف ليعلن مجده كابن الله ويعلن ملكوته الأرضى ويحرر أمته من الرومان.. وحينئذ سيكون ليهوذا نصيب كوزير للمالية مثلاً في حكم الرب يسوع.
كان يريد أن يضع الرب يسوع أمام الأمر الواقع ليدفعه للملك الأرضى الجسدى، لكن السيد قد أتى إلى عالمنا ليصنع الخلاص ويملك على القلوب بالحق (يو18: 37).
3- لكن التلاميذ بالروح القدس كان لهم رأى آخر "دخله الشيطان" "فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعى الإسخريوطي، وهو من جملة الاثني عشر"(لو22: 3)، "فبعد اللقمة دخله الشيطان. فقال له يسوع: ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة"(يو13: 27) لقد كان الشيطان هو الدافع الأساسى ليحرك يهوذا الإسخريوطى تجاه خيانة الرب يسوع.
العدد القادم نواصل الإجابة عن الأسئلة المحيرة في قصة يهوذا
د. إيهاب البرت