هل هو عقاب من الله للإنسان؟
لماذا يعاقب الله الإنسان بالمرض الجسدى.. وهو صانع وخالق هذا الجسد..؟!
كثيرًا ما نرى الأجساد تتعرض لأنواع كثيرة من الأمراض.. وفي مجال عملى كطبيب أرى كثيرًا من الأمراض الجديدة التى تظهر وتنتشر كل يوم.. منها من له دواء وشفاء ومنها المستعصى والخبيث والذى يصعب علاجه.. ومنها ما ليس له دواء.. ومع كل التقدم الطبى العلمى ما زال هناك أمراض لا علاج لها.
وهناك أمراض نجح الطب في تشخيصها فقط ولكن لم ينجح بعد في علاجها.. وهنا نقف في حيرة أمام سؤال مهم.. يقودنا إلى الاصطدام بالله.. ما لم نفهم ما يحدث حولنا.. ويحاول المشككون وأصحاب فكر الإلحاد أن يقودونا لرفض فكرة وجود الله من خلال هذه الأفكار المغلوطة عن الله.. وإبليس يستغل ضعف الإنسان وعجزه أمام المرض ليروج لهذه الأفكار الملوثة بفكر الشيطان ليبعد الإنسان عن الله.. لهذا وجب لنا أن نفند ونفهم معنى وإجابة هذه الأسئلة لئلا نقع في فخ إبليس.. أو نتعثر في الإله المحب الحنون.
السؤال:
هل المرض لعنة؟ هل هو عقاب من الله للإنسان؟
وهذه النظرية تبنى خطأ على بعض الآيات والأحداث الكتابية في العهد القديم لتؤكد هذه النظرية.. فنسردها أولاً حتى يمكننا الرد عليها.
1- لقد أرسل الله عقابه على شعب مصر بضربات تضمنت ضربة لأجساد المصريين بالدمامل "فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور في كل أرض مصر" (خر9: 9)، فكان عقاب الله لفرعون وشعبه هو مرض جلدى بالدمامل.
2- وعد الرب لشعبه عند الخروج من أرض مصر قائلاً: "إن كنت تسمع لصوت الرب إلهك وتصنع الحق في عينيه وتصغى إلى وصاياه وتحفظ جميع فرائضه فمرض مما وضعته على المصريين لا أضع عليك فإنى أنا الرب شافيك" (خر15: 26)، وهذا يؤكد أن الله متحكم في وضع المرض على الإنسان لعقابه كما له القدرة على منعه أيضًا لأنه الشافى.
3- عقاب الله لمريم أخت موسى حين أخطأت في حق الرب فضربها بالبرص وصارت هكذا سبعة أيام بعد أن صلى موسى لها (عدد 12: 15).
4- عاقب الرب جيحزى بالبرص هو ونسله إلى الأبد لأنه أخطأ في حق الرب وطلب التقدمات من نعمان السريانى (2مل5: 7).
5- يحتوى سفر التثنية أصحاح 28 طريقين واضحين أمام شعب الله وهما طريق البركة وطريق اللعنة وكان عقاب عدم تنفيذ الوصايا هى اللعنة وكانت من بنودها لعنة المرض فيقول: "يجعل الرب ضرباتك وضربات نسلك عجيبة، ضربات عظيمة راسخة وأمراضًا ردية ثابتة ويرد عليك جميع أدواء مصر التى فزعت منها فتلتصق بك" (تث28: 59).
وهنا يأتى السؤال: هل المرض هو حقًا لعنة من الله للإنسان المريض..؟ بالطبع لا وسنسرد هنا بعض الملابسات الموجودة في هذه الأجزاء الكتابية ونوضح أيضًا دور الله في المرض والشفاء.
أولاً: الرد على هذه الآيات الكتابية وتفنيد لها:
1- (حز9: 9) ضربة الدمامل كانت أحد الضربات التى سمح الله بها على أرض مصر لإعلان قوته وسط شعب لا يعرفه وهزيمة آلهة المصريين الوثنية وكانت ضربة الدمامل على كل شعب مصر وعلى البهائم ليؤكد لهم أن الرب أقوى من الأوثان البكم.
2- وعد الرب للشعب في (خر15: 26) هو وعد بالبركة والمعية الإلهية في موقف وظرف محدد.. لأن الرب قاد الشعب في البرية وعالهم أربعين سنة بالمن النازل من السماء وصخرة تسقيهم ماء.. وهذه معجزات خارقة للطبيعة صنعها الله لشعبه.. ثيابهم لم تبل وأرجلهم لم تتورم.. كما حماهم من الأمراض لكى يتحملوا مسيرة طويلة كهذه..
3- البركة واللعنة المذكورة في (تث28) يقول عنها المفسر المعروف جون ماك آرثر: "كان هناك عهد أقامه الرب مع الشعب اسمه العهد السينائى وفيه يحفز الرب شعبه على الطاعة لإلههم وتنفيذ وصاياه.. وهو يوصى بمهابة الرب وناموسه.. لأن لقب الرب يهوه يعلن مجد الرب وعظمته.. ويستخدم تعبير الرب إلهكم 280 مرة في سفر الخروج.. لهذا يكون على العكس العقاب بمكيال اللعنة الإلهية التى تنصب كاملاً على بنى إسرائيل في حالة عصيانهم واستخفافهم بطبيعة الله المجيدة والمهوبة".
ولهذا أيضًا نلاحظ أن في نهاية أصحاح البركة واللعنة (تث28) يعلن عن رحمة الله حتى في عقابه فيقول: "فتبقون نفرا قليلاً عوضًا عن ما كنتم كنجوم السماء في الكثرة (تث28: 62)، فرحمته حتى في وقت الدينونة والعقاب وعقابه هو أن يوقف بركته فقط.. ففى الغضب يذكر الرحمة..
لهذا الله لا يرسل لعنة.. لأنه إله كل رحمة وكل نعمة ولكنه يحجب بركته عن الإنسان الذى لا يطلبها.. وهذا ما يظنه الإنسان عقابًا أو لعنة.. لكنه في الحقيقة حجب البركة.. وهذا أمر صعب جدًا على الإنسان المخلوق على صورة الله ليعيش في بركته ونعمته.
4- مرض البرص الذى عاقب به الرب مريم وجيحزى كان رمزًا واضحًا لإعلان الخطية الدفينة في قلب الإنسان لتظهر على جلده.. لأن البرص في كل تفاصيل شريعته يرمز للخطية. فكأن الله يكشف المستور المخبأ في قلب مريم وقلب جيحزى ليظهر على جلدهم وهذا لا يعنى أنه يعاقب بالمرض بل يفضح الخطية لكى نتوب عنها.. والدليل أنه قبل توبة مريم وعادت لمكانها وسط الشعب صحيحة من الداء.
5- يقول الرسول بولس: "لم تصبكم تجربة إلا بشرية ولكن الله أمين الذى لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كو10: 13).
وكلمة تجربة هنا هى ذاتها في الأصل اليونانى ما جاء (برسالة يعقوب) "إحسبوه كل فرح يا إخوتى حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع1: 2) والمقصود بها كل ظرف قاس وألم ومرض يعترض حياة المؤمن.. وهذا الظرف يأتى في صورة بشرية أى يشترك معه فيها كل البشر، لكن الله في أمانته يجعل مع التجربة أيضًا المنفذ.. فالتجربة بسماح منه والمنفذ أيضًا بترتيبه وهذا ما يدعونا للإطمئنان والثقة في صلاحه وفي حكمته.
د. إيهاب ألبيرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.