هل كان الناموس ناقصًا حتى أتى الرب يسوع ليكمله؟
سألني صديقي المتشكك سؤالاً مهمًا.
صديقي: أليس الناموس والأنبياء الذين سجلوا العهد القديم هم آنية الله وكتبوا كلمة الله المعطاة لهم من فم الله؟
أنا: نعم لقد كان الناموس هو كلمات الله من فم الله إلى عبده موسى.
صديقي: هل كلمة الله ناقصة وتحتاج إلى استكمال؟ هل يمكنها أن تتغير مع الزمان ويضاف إليها أو يحذف منها؟
أنا: بالطبع لا.
صديقي: قال الرب يسوع: "لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل" (متى5: 17). إذن سيكمل المسيح ما نقص من الناموس؟!
كما استرسل الرب في سرد بعض الآيات من الناموس وينقضها "سمعتم أنه قيل للقدماء... أما أنا فأقول لكم"، ويكرر هذه الكلمات ست مرات في الموعظة على الجبل. إذن لقد أتى المسيح بفكر جديد ينقض به الناموس الذي أتى به الله نفسه على فم موسى ليقدم لنا تعليمًا جديدًا خاص به أقوى وأعظم من تعليم الناموس والأنبياء.
الرد:
هناك ردود كثيرة على هذا الادعاء الكاذب والفكر المغلوط الناتج من عدم الفهم الحقيقي للعلاقة الحميمة بين الرب يسوع المسيح والناموس الإلهي.
أولاً: لقد صرح الرب يسوع: "ما جئت لأنقض"، فهذا حديث صريح عن عدم نقض الناموس الذي هو كلمة الله واعتراف واضح بمصدر الناموس والأنبياء فهم من الله.
ثانيًا: أكمل الرب يسوع حديثه بالتأكيد على صحة وأبدية كلمة الله الحية "فأني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى5: 11).
لهذا اعترف الرب يسوع بقدسية وسلطان كلمة الله المدونة في الناموس الذي هو أسفار موسى الخمسة "والأنبياء" هى كتب النبوات القديمة في العهد القديم.
ثالثًا: لقد كان الناموس والأنبياء يشيران إلى المخلص الآتي إلى العالم، فالناموس هو ظل للمسيح الذبيح الأعظم. رئيس الكهنة الذي يرثي لضعفاتنا. فهو الحمل المذبوح لأجلنا وهذا ما أعلنه يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 29).
لهذا أتى المسيح إلى أرضنا، لكي يموت عن خطايانا ثم يقوم من الأموات ليعلن قبول الذبيحة أمام الآب لننال الغفران وبر الله فيه.
وقد أعلن الرسول بولس هذا الحق في رسالته إلى الكنيسة في رومية "لأن غاية الناموس هى المسيح للبر لكل من يؤمن" (رو10: 4).
فنحن بالناموس صار علينا حكم الموت "لأن أجرة الخطية هى موت" ولكن مات المسيح بدلاً عنا ثم قام من الأموات، فنحن متنا بحكم الناموس في المسيح يسوع وقمنا معه بقيامته لننال حياة أبدية.
وهكذا أيضًا يشرح الرسول بولس "إذا يا إخوتي أنتم أيضًا قد متم للناموس بجسد بدلاً عنا ثم قام من الأموات، فنحن متنا بحكم الناموس في المسيح يسوع وقمنا معه بقيامته لننال حياة أبدية".
وهكذا أيضًا يشرح الرسول بولس "إذا يا إخوتي أنتم أيضًا قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي قد أقيم من الأموات لنثمر لله" (رو7: 4)، "كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان" (غلا3: 24).
فالناموس هو صاحب قرار موتنا عن الخطية والمسيح يتممه بقرار قيامتنا معه للحياة الأبدية "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أف2: 6).
من هنا نفهم أن المسيح قد أكمل الناموس أي نفذ حكم الناموس في جسده. وتمم حكم الناموس الذي كان علينا وحمل هو نفسه خطايانا في جسده. وتمم حكم الناموس الذي كان علينا وحمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر.
لقد كان الناموس يشير إلى الموت وأتى المسيح ليتمم الموت النيابي عنا ويكمله بالقيامة من الموت.
رابعًا: هل هدم المسيح كلمات الناموس عندما قال "سمعتم أنه قيل للقدماء.. أما أنا فأقول لكم" (متى5: 21، 27، 31، 33، 38، 43)؟ تكررت هذه العبارة حقيقة 6 مرات في الموعظة على الجبل ولكن عند قراءتها نكتشف الآتي:
1- لم يغير المسيح أو يقلل من شأن أي تعبير من تعبيرات الناموس في أى من هذه الفترات، بل كان بالحري يصحح ما كانوا قد سمعوه من مفسري الناموس آنذاك ومفهوم معلمي الشريعة.
مثلاً: "سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل" (خر20: 13، تث5: 17) ولكن قد لا تقتل أخاك حرفيًا، لكنك تقتله معنويًا أو نفسيًا عندما تغضب عليه باطلاً أو حين تهينه بالكلمة البسيطة (يا غبي) ويا أحمق. لأن الألفاظ النابية التي تهين بها أخاك، تنشأ من دوافع شريرة في القلب وتحمل معاني الغضب والكراهية وهى نوع من أنواع القتل النفسي والمعنوي.
2- لا يركز الرب يسوع في تعليمه على الأفعال،لكنه يركز على القلب. فما في قلبك يخرج في صورة أفعال. فقال: "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر، فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم".
فالإيمان المسيحي لا يتعامل مع الأفعال الخارجية التي فشل الناموس في منعها لأن قلب الإنسان مليء بالفساد والشر،لكن الإيمان المسيحي يتعامل مع القلب ليغيره بقوة الرب يسوع. بموت المسيح وقيامته ليصبح قلبًا جديدًا صالحًا يخرج كل صلاح. "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا" (2كو5: 17).
3- يدعو الرب يسوع إلى حياة التدقيق في الحياة والسلوك النقي الطاهر، فتحدث عن 6 أمور هى التي علم بها معلمو الناموس دون تدقيق:
- الغضب والخصام
- الزنا
- الطلاق
- القسم والحلف
- الانتقام
- التعامل مع الأعداء
وقد أكمل الرب هذه المفاهيم الستة بمفاهيم أعمق تعلن الحب والصدق والنقاوة وهكذا استكمل الرب يسوع حديثه عن الناموس بكلمات واضحة "إن لم يزد بركم عن الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت5: 20).
لقد دعا المسيح أتباعه وتلاميذه إلى مستوى أعمق وأكثر تشددًا من الكتبة والفريسيين، لأنهم خففوا الناموس بتركيزهم على المطالب الخارجية دون الاهتمام بحالة القلب، لكن كشف الرب يسوع عن المدلول الأخلاقي المقصود بالناموس وهذا يتطلب الخضوع القلبي لروح الناموس.
في النهاية أحب أن أؤكد لك يا صديقي أن الرب يسوع المسيح أتى إلى عالمنا ليكمل الناموس ويتممه بتقديم نفسه للموت النيابي بدلاً عنا ويقوم من الأموات ليعطي حياة أبدية وقلبًا جديدًا لكل من يؤمن به"لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الابدية" (يو3: 16)، فهل تؤمن به وتقبله ربًا مخلصًا لحياتك، فتنجو به من الدينونة الأبدية وتنال باسمه غفران الخطايا، فيغير قلبك فيكون حسب قلبه.
د.إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.