هل يدعونا أن نذهب لابسين أحزمة ناسفة ونتقدم لكى نموت لإرضائه؟؟
تقف أمامنا بعض الآيات التى تحدث بها السيد رب المجد الرب يسوع المسيح وفي أول قراءة لها نراها تدعو إلى الموت وإلى الهلاك.. هل الرب يسوع كان يدفع تلاميذه ويدعونا إلى الموت وإلى الهلاك لكى نرضيه. هل يدفعنا إلى حب الموت.. هل يدعونا أن نذهب لابسين أحزمة ناسفة ونتقدم لكى نموت لإرضائه؟؟
دعونا نقرأ هذه الآيات التى تحدث بها رب المجد لنفهم قصده الحقيقى من هذه الدعوات لكى نسير فيها..
لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم" (مت5: 29").
من يهلك نفسه من أجلي يجدها "(مت16: 25").
من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها" (مر8: 35").
فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض" (كو3: 5").
من يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية "(يو12: 25").
دع الموتى يدفنون موتاهم، وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله" (لو9: 60").
ولتوضيح هذه الأفكار التى تتزاحم في عقولنا، ولتوضيح هذه الآيات نحتاج أن نفهم.
أولاً: معنى الموت:
الموت في الكتاب المقدس له معنيان:
1- موت الجسد وهو الموت الزمنى الأرضى أى أن تفارق الروح الجسد وتنتهى به حياة الإنسان على الأرض.. وهذا هو موت الجسد. "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلونها" (مت10: 28).
2- الموت الروحى وهو يعنى الانفصال عن الله والبعد عن الله.. ففى هذا موت.. "لأن أجرة الخطية هى موت" (رو6: 32) وليس المقصود هنا الأجرة في الأبدية بالهلاك الأبدى.. لكنها حالة الروح في البعد عن الرب يسوع المسيح.
فالموت الروحى هو حالة الإنسان البعيد عن الله.. هذا ما يشرحه الرسول بولس: "وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا التى سلكتم فيها قبلاً" (أف2: 1، 2).
ثانيًا: معنى الحياة:
وعلى النقيض من معنى الموت، نجد معنى الحياة بذات الطريقة.
فالحياة الجسدية هى استمرار انقباضات القلب وتدفق الدورة الدموية واستقرار التنفس والحركة والدخول والخروج. وحياة الروح تختلف عن هذا، فهى ما يسميها الكتاب المقدس بفم الرب يسوع هى الحياة الأبدية.
وما هى الحياة الأبدية؟.. "وهذه هى الحياة الابدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو17: 3) والحياة الأبدية هى التى تبدأ بالتعلق والإيمان بيسوع ولا تنتهى، لأنها إلى الأبد أى بلا نهاية ومن هنا نفهم دعوة الرب يسوع أنها ليست دعوة للموت بل هى دعوة للحياة.
دعوة الرب يسوع:
لقد أتى الرب يسوع إلى عالمنا لا ليدعو للموت بل ليقدم الحياة.. لا ليدفع البشر للهلاك بل يدفعهم للحياة. فهو الذى قال عن نفسه:
أنا هو الطريق والحق والحياة.
أنا هو القيامة والحياة من آمن بى ولو مات فسيحيا (يو11: 25).
لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو3: 15، 16)
لهذا نحتاج أن نؤكد هذه الحقيقة أن الرب يسوع المسيح لم يأت للإهلاك والموت، بل أتى إلى البشرية بالحياة وهكذا قال: "السارق لا يأتى إلا ليسرق ويذبح ويهلك، أما أنا فقد أتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو10: 10)، وهكذا أيضًا أعلن: "لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" (لو9: 56).
ثالثًا: دعوة المسيح للإهلاك:
لم يدع الرب يسوع البشر للذهاب إلى الهلاك بل على العكس.. لكنه يدعونا أن نهلك نحن أنفسنا.. كيف هذا؟
1- خير لك أن يهلك أحد أعضاؤك ولا يلقى جسدك كله في جهنم (مت5: 29). أى أنها دعوة للاختيار بين أمرين.. هل تفضل أن يهلك لك عين أو رجل أو أن تذهب بجسدك كله إلى جهنم والهلاك الأبدى..؟ لم يحدث أن الرب دعا شخصًا لفقأ عينه بل دعى عميان لفتح أعينهم.. لكنه تعبير مجازى بأنك تحتاج أن تميت الشهوة المسيطرة على عينك.. وأن توقف النظرات النجسة بدلاً من أن تذهب بهذه العيون القذرة إلى جهنم والهلاك الأبدى.
2- "أميتوا أعضاؤكم" وهذه لا تعنى إهلاك هذه الأعضاء، لأن نفس الرسول بولس يدعونا أن نقدم أعضاءنا لله: "ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح؟ أفأخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟ حاشا!" (1كو6: 15)، "فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التى هى لله" (1كو6: 20).
3- من يهلك نفسه من أجلى يجدها (متى 16: 25)
وكما شرحنا قبلا، فإن الحياة لها معنيان حياة الجسد.. وحياة النفس والروح فالذى ينفق حياته الجسدية الأرضية في خدمة السيد أى أنه يخدم الرب في وقته وجهده وماله وينفق نفسه في خدمة الملكوت السماوى، ففى نظر البشر هو يهلك نفسه ولكنه في نظر الله هو يجدها لأنه يستثمر هذه الحياة الأرضية في بنك السماء فيجدها قد ازدهرت ونمت لحياة أبدية. فهو لا يدعونا لإهلاك أنفسنا بل إنفاق أجسادنا وممتلكاتنا لمجد وخدمة الرب يسوع.. بل هى دعوة لترك ما هو عزيز وثمين لربح ما هو أعز وأثمن.. لإنفاق الوقت والجهد والمال والجسديات لربح الأبديات والباقيات والمجد الأسمى الذى ينتظر كل من يؤمن ويجاهد في خدمة ملكوت الله.
إنها دعوة للحياة.. لكنها حياة مختلفة عن حياة البشر بالأكل والشرب واللبس والسعادة الأرضية.. دعوة للحياة في الروح.. في الخدمة.. في التمتع بالبركات الروحية وخدمة ملك الملوك ورب الأرباب.. هى دعوة للخدمة والإنفاق في عمل الرب لنمو رياسته وللسلام.. دعوة لكى ما نقدم الكل للرب، فهل من مجيب؟!
د.إيهاب البرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.