هل نعبد الله الواحد؟ أم نعبد ثلاثة آلهة؟! الآب والابن والروح القدس..؟!!
تحدثنا في الموضوع السابق أن المسيحيين يؤمنون بأن الله واحد وحيد لا شريك له، وشرحنا الأدلة المنطقية الفلسفية، وكذلك الأدلة الكتابية على وحدانية الله وفي هذا العدد نتحدث عن أنواع الوحدانية ومعنى كلمة أقانيم.
ما هى نوع وحدانية الله؟
كل الديانات في العالم التى تؤمن بالله الواحد تختلف في تعريف وحدانيته، لأن الله الواحد المتفرد.. كيف يكون واحدًا!! هذا ما نحتاج أن نفهمه.
أولاً: الوحدانية المجردة:
وهى أن الله واحد فريد.. فهو منزه عن كل الصفات الإيجابية والسلبية التى يمكن أن يتسم بها المخلوقات.. وهذا لأن أى صفة من الصفات تجعل الله محدودًا.. فالله منزه عن العلم.. ومنزه عن الإرادة.. ومنزه عن الكلام والعمل والسمع والبصر.. لأنه فوق العلم وفوق الإرادة وفوق الوجود.
الرد عليها: هذه الوحدانية غير منطقية ولا يقبلها العقل لأنها غير حقيقية وخيالية، لأننا في هذه الحالة يكون الله هو الأعلى حتى لا يمكن الوصول إليه. أو فهمه. بل هذا يقلل من شأنه ولا يرفعه. لأنه إذا كان الله فوق الوجود، فقد يكون غير موجود أو أنه تعالى خارج دائرة الإدراك البشرى بالمنطق والعقل.
ثانيًا: الوحدانية المطلقة:
وهى تنزه الله عن الصفات الإيجابية دون السلبية.. فهى تنزه الله عن صفة الإرادة لأن الإرادة تعنى أن الله يؤيد وكونه يريد معناه أنه سبحانه ينقصه شىء يريده وهو الكامل الذى لا يحتاج إلى شىء.
وهو يتصف بالصفات السلبية.. فهو (لا يحب).. لا يحب الشرك به ولا يحب الخطاة.. لكنه منزه عن الصفة الإيجابية "الحب" لأنه في هذه الصفة الإيجابية، الحب يحتاج إلى شريك له لكى يمارس معه هذه الصفة.
ولأن الله أزلى.. وصفاته معه منذ الأزل.. فكيف كان يعيش الصفات الإيجابية من الأزل قبل وجود خليقته.. فكيف كان يحب ويسمع ويتكلم ويريد في الأزل.. فالصفات الإيجابية كانت عاطلة في الأزل.
وهكذا أيضًا احتاجت الصفات الإيجابية إلى الخليقة والإنسان لكى تظهر وهذا يعنى أن الله اعتراه تعبير وحركة جديدة، لم تكن فيه من الأزل بعد عملية خلق الكائنات وهذا لا يليق بالله.
لهذا تكون وحدانية الله وحدانية مطلقة تنزه الله عن الصفات الإيجابية دون السلبية.
الرد عليها: هذه الوحدانية غير منطقية كما أنها لا تليق بالله العظيم.. لأنه الله سبحانه من الأزل وإلى الأبد لا يتغير.. فهو يريد بدليل أنه خلق السموات والارض. فكيف خلقها دون أن يريد ويقوم بعمل إيجابى لخلقها فهو أراد وأصدر أمرًا وقال فكان لخلق هذا الكون البديع. لهذا هو موجود من الأزل وفعال بكل صفاته الإيجابية والسلبية من الأزل وإلى الأبد.
كما أن تفرد الله بالأزلية مع عدم وجود تركيب في ذاته فمن اللائق بكماله أن تكون صفاته الإيجابية والسلبية فعالة من الأزل دون أن تتعرض للتغيير عن قيامه بعمل الخلق، فهو منزه عن كل هذا ولا واستخدمها بعد الخلق.. فهو سبحانه أعلى من كل ذلك.
وعندما ننزه الله عن صفاته الإيجابية ونقول إنها وحدانية مطلقة، ففى هذه الحالة تكون وحدانية وهمية خيالية.. مثل النقطة الهندسية التى لا تتصف بأى صفات أو نقول إنها تتسم بالصفات السلبية فقط.. فقد لا يكون لها كيان حقيقى من الأساس.. وهذا ما لا يمكن أن يقبله العقل عن الله عز وجل الذى يملأ مجده السموات والأرض. فهو كامل الصفات من الأزل وإلى الأبد.
إذن ما هو نوع وحدانية الله؟
هى الوحدانية الجامعة المانعة:
هى وحدانية متميزة تليق بالله إلى ثلاث مجموعات متدرجة في التميز ومختلفة في نوع جوهرها.
1- الجماد وهو غير حى وغير ناطق.. وهو أقل شىء في الجوهر مهما غلا ثمنه، لأنه لا توجد بينه وبين ذاته أى علاقة.. ولا في داخله كيان خاص به.
2- النبات والحيوان وهو حى لكن غير ناطق.. وهو أسمى من الجماد لأنه حى وفي أبسط صورة كالحيوان الأولى أو النباتات والطحالب الأولية يحمل حياة بدائية، لكن في تقدم مملكته فيها العلاقة بينه وبين ذاته.. ويظهر له كيان أوضح..
3- الإنسان وهو حى وناطق أيضًا.. لهذا هو أسمى المخلوقات في الجوهر.. فكل إنسان مستقل بذاته له كيان مميز وله علاقة بينه وبين.. لهذا عمله لا تتكرر بين أقرانه، فكل إنسان متميزعن غيره ماديًا ومعنويًا ونفسيًا.. نسخة وحيدة لا تتكرر.. لهذا جوهر الإنسان ووحدانيته وانفراده أسمى من كل المخلوقات.
ومما لا جدال فيه أن الله تعالى هو الذى أبدع هذه الأقسام الثلاثة من الخليقة وهو مصدرها.. ولابد أن يكون أشرف هذه الموجودات، إذ أنه لابد أن يكون موجودًا بذاته ولم يوجده أحد.. وحيًا بروحه.. وناطقًا بكلمته وهكذا هو إله واحد موجود بذاته.. حى بروحه.. ناطق بكلمته.. وبهذا يكون الله أسمى من كل مخلوقاته لأنه الخالق.. فهو الأزلى في ذاته.. في روحه وفي كلمته. وهذه هى عقيدتنا المسيحية في الثالوث المقدس.
فالآب هو الله الأزلى الموجود بذاته.. هو الذات الإلهية
والابن هو الله الأزلى الناطق بكملته.. هو الكلمة.
والروح القدس هو الله الأزلى الحى بروحه.. هو الروح القدس.
والثلاثة في جوهر اللاهوت الواحد.
لهذا أمرنا الرب يسوع "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28) ولم يقل بأسماء.. بل باسم واحد، لأنه الإله الواحد في الجوهر.
لهذا نحن نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم "الآب والابن والروح القدس" وهم واحد وحدانية جامعة.
وهذه الوحدانية الحامعة توضح لنا كيف كان الله يمارس صفاته الأزلية في ذاته قبل خلق الخليقة كلها.. فهو أزلى بصفاته الإيجابية والسلبية ليمارسها مع ذاته من الأزل.. فكان يمارس صفة الحب والوحدة مع ذاته في أقانيمه.. وهكذا يمارس الكلام.. فلم يضف الخلق شيئًا له أو يكون محتاجًا لخليقته لإعلان صفاته. بل صفاته فعالة من الأزل وإلى الأبد.
صور خاطئة:
- هم ليسوا ثلاثة آلهة بل هم إله واحد مثلث التعيينات.. أو الأقانيم.
- قد يتصور البعض أن الله مركب يتكون من ثلاثة.. لكن لا يمكن أن يعترى الله تركيب.. فالتركيب يعنى أن المركب يتكون من أجزاء لا يكتمل إلا بوجود أجزائه وحاشا لله أن يكون كذلك.
فالله روح لا يقبل التقسيم أو التركيب.. بل هى أقانيم ثلاثة أى تعيينات أو تميز أو إعلان.. وهذا ما يليق بعظمة الله السامى الوحيد.
الأقانيم الثلاثة:
اصطلح فلاسفة المسيحيين والآباء الأولين على تسمية التعينات الثلاثة هذه بالأقانيم الثلاثة ومفردها أقنوم وهى كلمة سريانية تعنى "التميز بغير انفصال والاتحاد دون امتزاج".
والأقنوم هو كائن حقيقى له تميزه الخاص في شخصه وإرادته ولكنه واحد في الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخرين بغير انفصال.
قال أحد القديسين تشبيهًا مجازيًا لتقريب هذه الصورة إلى عقولنا البشرية "لو هناك مثلث من الذهب له ثلاثة أضلاع وثلاث زوايا.. فالثلاث زوايا واحدة من حيث الجوهر لأنهم من الذهب.. وواحد في اتحادهم في ذات المثلث.. لكن الزاوية أ تتميز عن الزاوية ب وليست هى الزاوية ج.. فكل منهم متميز عن الآخر ويكمل الآخر.. ويعملون معًا في اتحاد".
لهذا نحن نؤمن بإله واحد.. مثلث الأقانيم.. لا مثيل له.. فهى وحدانية جامعة مانعة (أى لا مثيل لها).. ويمتلىء الكتاب المقدس بفكر الثالوث المقدس في الإله الواحد. آمين..
د. إيهاب ألبرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.