"هل إله العهد القديم هو إله العهد الجديد ذاته؟"
يسجل الكتاب المقدس بعض القصص القاسية كمؤرخ لها لأنها حدثت بالفعل ولم يخترعها أو يشارك فيها ولم يكن الفاعل لها
لا يمكننا أن ننظر إلى وحشية الإنسان ونلصقها بالإله المنعم المحب كما أيضًا ننسى محبته ورحمته لأولاده. كما أنه أيضًا إله عادل... ففى كل الكتاب المقدس يظهر لنا الله كإله الرحمة كما هو إله الدينونة... وهو إله النعمة كما هو إله النقمة
فاجأنى شاب بهذا السؤال: "هل إله العهد القديم هو إله العهد الجديد ذاته؟"
أجبته: "بالطبع فهو الإله القديم المكتوب عنه "أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8)، فهو لا يتغير"... فأكمل قائلاً: "عندما نقرأ العهد الجديد نرى الإله صاحب النعمة والبركة والشفاء المعجزى وإقامة الموتى ونرى النعمة والرحمة والمحبة لكنى في قراءة العهد القديم نرى العنف والقتل والوحشية والحروب وكل ما هو قاسٍ وعنيف... هل إله العهد القديم هو إله العهد الجديد ذاته؟. وهل كتاب العهد القديم موحى به من الله تمامًا مثل العهد الجديد؟".
وقفت أمام هذا السؤال وبحثت في هذا الأمر في كثير من الكتب التى تتحدث في هذا الموضوع... وتوصلت إلى بعض الأفكار المهمة ولكن وجدت أيضًا كثيرين من المتشككين استغلوا السؤال وقالوا أقوالهم الخادعة.
قال أحدهم: "إن إله العهد القديم يختلف تمامًا عن الإله الذى يؤمن به المسيحيون، فعدالته طبقًا للمقاييس الحديثة قسوة غائرة لا تطاق... كما أنه متحيز لأناس ويترك الآخرين. وهو أيضًا منتقم وغيور على من يختارهم له فقط".
وقال آخر: "لقد جمع إله العهد القديم قائمة مؤثرة من الأفعال الوحشية، فلقد كان يهوه مغرمًا بإفناء أعداد كبيرة من البشر من خلال الأوبئة والمجاعات".
لهذا دعونا نقترب من هذه القضية الشائكة بقليل من التروى مع كثير من البحث والتفكير لهذا احتاج أن أوضح الكثير من الحقائق المهمة التى نحتاج أن نتذكرها ونبنى عليها أفكارنا.
أولاً: هل نثق في صحة كتابنا المقدس بعهديه؟
إن من يؤمن بالعهد الجديد لابد أن يؤمن بالعهد القديم أيضًا لأنهم يكملان أحدهما الآخر، فالله تكلم في العهد القديم كما في العهد الجديد، والعهد القديم هو الإعلان الواضح لنبوات كثيرة تمت كلها في العهد الجديد.
لقد اشترك في كتابة الكتاب المقدس بعهديه أكثر من 40 شخصًا في حوالى 1600 سنة وكتبوا لنا 66 سفرًا، وكانوا من بيئات مختلفة وطبقات اجتماعية ومادية مختلقة ويعملون في مهن متفاوتة: فمنهم الملك وجانى الجميز ولكنهم في الحقيقة كتبوا ليشيروا إلى الله المعلن في الابن الوحيد يسوع المسيح، كما تحدثوا عن طريق الخلاص والفداء بسفك الدم "لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21)، ولا يمكننى هنا الحديث عن صحة الكتاب المقدس لكن أدعوك لقراءة الجزء الأول من سلسلة بأعلن إيمانى والخاص بهذا الموضوع الجوهرى المهم.
ثانيًا: هل العنف والوحشية فقط في قصص الكتاب المقدس أم أن العنف موجود ويملأ تاريخ البشرية من يوم سقوط آدم وحواء إلى يومنا هذا؟!
إمتلأ تاريخ البشرية بالعنف والقسوة وبدأ من قصة أول أخوين في التاريخ حيث لم يكن في الأرض إلا أربعة أفراد فقط: آدم وحواء وابناهما قايين وهابيل.
وانتهت هذه الإخوة بأن قام قايين على هابيل في الحقل وقتله.. لقد ذهب هابيل إلى قايين في حقله كى يساعده أو يطمئن عليه فقام وقتله... كيف تعلَّم القتل؟!... إنها طبيعة الإنسان الساقطة في انفصاله عن الله... وهى منبع الوحشية والقسوة والعنف وامتلأ تاريخ الإنسان بالوحشية والعنف من أيام الفراعنة والبطالمة والرومانيين والتعذيب الوحشى أيام دقلديانوس والكثير والكثير من تاريخ البشرية المظلم... لأنها طبيعة الإنسان ويقول عنهم الكتاب: "أرجلهم سريعة إلى سفك الدم وطريق السلام لم يعرفوه" (رو3: 15).
مع أن الله –سبحانه- لا يتصف بالعنف في معاملاته، لكنه على العكس طويل الروح وكثير الرحمة... فهو لم يكن يومًا إله عنف.
ثالثًا: الكتاب المقدس مؤرخ القصة وليس صانعها: يسجل الكتاب المقدس بعض القصص القاسية كمؤرخ لها لأنها حدثت بالفعل ولم يخترعها أو يشارك فيها ولم يكن الفاعل لها... ويسجل لنا الوحى المقدس هذه القصص لكى يكشف لنا طبيعة الإنسان الساقطة بوحشيتها... كما أن هذه القصص كُتبت لتعليمنا وتهذيبنا ولكى تعلن لنا عن احتياج الإنسان لله.
فسرد الكتاب المقدس لهذه القصص لا يعنى موافقة الله عليها ومصادقته لها. لقد سجل الكتاب المقدس خطايا الأنبياء مثل خطية إبراهيم وزيغان لوط وخطية شمشون وداود، فهل هذا يعنى مباركته لها وموافقته عليها أم أنه يعلن عن خطيتهم لكى نتحذر منها ويكونوا عبرة لنا فلا نسقط مثلهم؟! "فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالا وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور. إذًا من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1كو10: 11، 12).
رابعًا: هل إله العهد القديم لم يكن إله رحمة؟ هل لم يصنع الله في العهد عملاً من أعمال الرحمة؟
على العكس، كان هو إله الوعود بالبركة... فهو الذى أعلن نفسه لإبراهيم كإله البركة "فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة. وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك12: 2، 3)، وترفق بيعقوب وهو هارب من وجه أخيه عيسو وظهر له في البرية ليشجعه "ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض. وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض.لأني لا اتركك حتى أفعل ما كلمتك به" (تك28: 14، 15)، ولا يسعنى الوقت أو المساحة لذكر أعمال رحمة إلهنا في العهد القديم. لقد أطعم الشعب الماشى في البرية، مدة أربعين سنة وعالهم في طريق سفرهم بالمن والماء كل هذه السنين. هل هناك إله يرحم مثل هذا الإله؟!
لقد تكررت كلمة رحمة في العهد القديم حوالى 64 مرة وكلمة محبة أتت 22 مرة، كل هذا في العهد القديم.
هل تظن أن الله كان قاسيًا على شمشون حينما أدركه الفلسطينيون وربطوه وقلعوا عينيه وجعلوه يطحن في بيت السجن؟ أم هو الذى سلَّم نفسه لهم حين نام على رجلى دليلة فقصت له سبع خصل شعر رأسه؟... ومع هذا لقد رحمه الله وسمع صلاته الأخيرة "فدعا شمشون الرب "فدعا شمشون الرب وقال: يا سيدي الرب اذكرني وشددني يا الله هذه المرة فقط فانتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين" (قض16: 28)، فسمع له الرب وهدم شمشون البيت على أعدائه، فهو إله رحوم ورؤوف حتى مع المخطئين التائبين.
فلا يمكننا أن ننظر إلى وحشية الإنسان ونلصقها بالإله المنعم المحب كما أيضًا ننسى محبته ورحمته لأولاده. كما أنه أيضًا إله عادل... ففى كل الكتاب المقدس يظهر لنا الله كإله الرحمة كما هو إله الدينونة... وهو إله النعمة كما هو إله النقمة. وهو يستخدم البركة والنعمة والرحمة لمن يستحقها فعلاً كما يعلن غضبه ونقمته لمن يرفض النعمة الغنية ويفعل ما يستحق الغضب والدينونة، فهو إله محب كلى الحب وكذلك عادل كلى العدل... وسيظل كلى النعمة والقداسة... مع عدله وغضبه في كل العصور والأزمنة لأنه لا يتغير.
د. إيهاب ألبرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.