كيف يطرد المسيح الجموع من الهيكل ويضربهم بالسوط ؟!
قال لي صديقي الملحد: عندي سؤال يحيرني كثيرًا. ألا تقولوا إن يسوع أتى ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين؟ ألم يأت ليقدم الحب ويصنع المعجزات ويشفي الجموع؟ أتى ليطعمهم ويرعاهم كالراعي الصالح؟
فقلت نعم هذا حق أراه في كل حياة الرب يسوع المسيح.
قال: إذن كيف تفسر لي هذا المشهد المذكور في (يو2: 13- 17) " وكان فصح اليهود قريبا، فصعد يسوع إلى أورشليم، 14 ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما، والصيارف جلوسا. 15 فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل، الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. 16 وقال لباعة الحمام:«ارفعوا هذه من ههنا! لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة!». 17 فتذكر تلاميذه أنه مكتوب:«غيرة بيتك أكلتني»."
رأيته يذهب إلى الهيكل ممسكًا بالسوط. بل لقد صنع السوط من الحبال ودخل ليصنع ثلاثة أمور غير مقبولة من السيد المحب.
1- لقد ضرب الناس بالسوط لكى ما يرعبهم ويعاقبهم على أفعالهم في الهيكل. فكيف صاحب اليد الحانية واللمسات الشافية أن يمسك السوط ويضرب البشر والحيوانات؟!
2- والأغرب من هذا أن يطرد الناس من الهيكل، فبدلاً من أن يرحب بهم ويستقبلهم ويقودهم في العبادة رأيته يخرجهم خارجًا ويرفض وجودهم في بيت الرب!
3- والأكثر غرابة أنه يخرب تجارة التجار الآتين للبحث عن لقمة عيش، فيقلب موائدهم ويشرد مواشيهم وأيضًا يقلب أقفاص باعة الحمام حتى تطير إلى السماء ويفقدونها للأبد، لقد خرب تجارة هؤلاء التجار!
وللرد على هذه الحادثة لابد أن نفهم كيف حدث هذا الموقف بتواجد التجار داخل ساحة الهيكل وكيف تصرف الرب معهم.
بدأت القصة بصعود الرب يسوع إلى أروشليم من أجل الفصح. وهذا إجراء سنوي ثابت واجب على كل ذكر يهودي تقي فوق الثانية عشر من عمره (خر34: 14- 17) ويتجمع اليهود في أورشليم حول الهيكل في هذا العيد من كل عام.
وهناك وجد يسوع التجار والصيارفة وباعة الحمام في ساحة الهيكل. وكان المحتفلون بالفصح من اليهود يأتون من كل أنحاء إسرائيل من كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية عابرين مسافات طويلة في السفر. ولم يكن مناسبًا أن يجلبوا معهم حيواناتهم لتقديم الذبيحة. وهناك وجد التجار الانتهازيون فرصة لكى يبيعوا لهم الذبائح بأسعار باهظة في هذا الموسم. كما كان هناك حاجة إلى الصيارفة أى تجار العملة لكى يستبدل الزائرون أموالهم ليدفعوا الجزية للهيكل بعملة الهيكل. فكل ذكر يهودى بلغ العشرين عامًا لابد أن يدفع الجزية (خر30: 13)، (مت17: 24)، فلهذا يستغل التجار والصيارفة هذا الموسم لتحصيل ربح مادي عال في غش ومكر.
+ هل تكررت حادثة تطهير الهيكل؟
يسجل يوحنا الحبيب حادثة تطهير الهيكل في بداية خدمة يسوع بعد معجزة عرس قانا الجليل (يو2: 13- 17)، لكن يحكى الثلاثة بشيرون متى ولوقا ومرقس عن حادثة أخرى لتطهير الهيكل في آخر خدمته وبالتحديد يوم دخوله الانتصاري إلى أورشليم (مت21: 13)، (مر11: 17)، (لو19: 46).
وقد تتطابق الحادثتان في نفس الأفعال تقريبًا لكنهما مختلفان في التوقيت. فالأولى في بداية الخدمة والثانية في نهايتها بعد 3 سنوات، لكن لابد أن نفهم أن عملية تطهير الهيكل هى تتميم للنبوات عن المسيا المخلص الآتي ليطهر العبادة الدينية. (ملا3: 1- 3)" 1 «هأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي. ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به. هوذا يأتي، قال رب الجنود» 2 ومن يحتمل يوم مجيئه؟ ومن يثبت عند ظهوره؟ لأنه مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصار. 3 فيجلس ممحصا ومنقيا للفضة. فينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة، ليكونوا مقربين للرب، تقدمة بالبر.
كما أيضًا في (زك14: 20، 21) " 20 في ذلك اليوم يكون على أجراس الخيل: «قدس للرب». والقدور في بيت الرب تكون كالمناضح أمام المذبح.
21 وكل قدر في أورشليم وفي يهوذا تكون قدسا لرب الجنود، وكل الذابحين يأتون ويأخذون منها ويطبخون فيها. وفي ذلك اليوم لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود."
وهى نبوات تتكلم عن المسيا الذي سينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة. لهذا كان دور المسيح المخلص أن يطهر الهيكل وينقيه من التجارة والغش.
+هل كان المسيح قاسيًا؟
لقد كان غيورًا على بيته وهذا ما جعل التلاميذ يتذكرون نبوة داود "غيرة بيتك أكلتني" (مز69: 9)، فعندما أمست قداسة الله على المحك اتخذ يسوع إجراءًا سريعًا غاضبًا. ولكن بالرغم من هذا لم يكن قاسيًا بل حتى في غيرته وغضبه أظهر حنوًا ورقة ولنا هذه الأدلة:
1- لقد أمسك المسيح بالحبال وصنع منها سوطًا. والسوط لم يكن لضرب الناس أو الحيوانات بل كل الرعاة يدركون أن السوط لكى يصنع به صوت فرقعة في الهواء لدفع الحيوانات للتحرك وليس للضرب ولم يذكر الوحى المقدس في أى من المرات أن المسيح ضربهم بالسوط.
2- إعتداله وحنوه في الإجراء الذي اتخذه يؤكده عدم اضطراب صاخب أو حدوث هرج ومقاومة من التجار. لأنه إذا حدث شجار ومقاومة فلابد أن الفرق الرومانية المتمركزة في حصن أنطونيا بجوار الهيكل المكلفة بحراسة وتأمين الهيكل في العيد أن تتدخل لأنها مكلفة بحفظ النظام ومتأهبة للتدخل في أى وقت. وهذا ما حدث مع بولس عندما هجم اليهود عليه تدخلت القوة الرومانية لاختطافه من وسط الجموع (أع21: 31).
3- إستجابة الشعب والتجار السهلة كانت محيرة وأرى أنهم خرجوا من الهيكل للأسباب الآتية:
أ- طريقة المسيح الروحية وهيبة الروح القدس وسلطانه اللاهوتي.
ب- إقتناعهم أن المسيا المخلص من سيطهر الهيكل والعبادة وهذا هو انتظار كل الشعب.
ت- شعورهم بالندم الروحي الفعلي وتأنيب الضمير وتبكيت الروح القدس على ما يفعلوه من إفساد للهيكل فانصرفوا.
4- هل حقًا خرب الرب تجارة التجار .. بالطبع لا.. لم تفسد تجارتهم فخروجهم بماشيتهم من الباب دون أن يصادر بضاعتهم. كما أن موائد الصيارفة حيث انقلبت كانوا يجمعون عملاتهم من الأرض دون أن تفسد. لكن لم يقلب الرب يسوع أقفاص باعة الحمام أو لم يطلق الحمام بل يدقق الوحي في القول: "وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت أبي تجارة" (يو2: 16)، فهو أمرهم أن يحملوها ويذهبوا بها دون أن يفسدها.
كم هو إله محب وحنان حتى في توبيخه للمخطىء وغيرته لأجل بيت أبيه. حقًا كان وديعًا ومتواضع القلب حتى في غضبه.
5- هل طرد المسيح الناس من الهيكل ليمنعهم من العبادة؟ بل على العكس لقد طرد التجار والصيارفة من ساحة الهيكل،لكنه دخل إلى الهيكل ورحب بمن أتوه للعبادة بل ودخل يعلم في الهيكل لأنه كان يسميه "بيت أبي" (ع16) لأنه ابن الله الظاهر في الجسد أتى ليخدم في بيت أبيه.
هو قدوس وطاهر. وغيور على بيت أبيه وهو أيضًا محب وحنان ومتواضع لهذا خضع له الكل، لأنه عمل هذا بسلطان إلهي كامل.
د. إيهاب ألبيرت
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.