للتنمية الروحية

هل حقًا مات المسيح؟

لماذا هذا الصليب؟.. وكيف نرى إلهنا في هذا الوضع المشين؟!

قال أحد المتشككين: "إنى أحب الرب يسوع.. فهو عاش حياة طاهرة نقية.. وعلم تعاليم سامية راقية جدًا.. وعمل معجزات رائعة وبارك شعبه بحياته وأعماله، فهو مثالى في كل شىء.. وفارق في أعماله المعجزية.. لكن كيف لى أن أرى إلهى في هذا الوضع المهين وهو معلق بين الأرض والسماء؟!.. إنى مستعد أن أؤمن بالمسيح بعيدًا عن الصليب والقيامة!

ولهذا نوضح أن إيماننا المسيحى مبنى على مبدأ الفداء والكفارة لأن يسوع المسيح – الله الظاهر في الجسد- أتى إلى عالمنا لكى يصنع خلاصًا أبديًا لكل البشرية.. كيف هذا؟

الفداء وأهميته: ولتوضيح هذه الحقيقة نوضح القصة من أولها..

1- خلق الله الإنسان على صورته كشبهه في صورة مقدسة لا يعرف معنى الخطية "فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى خلقهم وباركهم الله" (تك1: 27).
2- وضع الله امتحانًا بسيطًا لآدم ليدرك مدى طاعته وحبه لخالقه.. وكان الامتحان بسيطًا للغاية "من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لانك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تك2: 17).
3- سقط آدم في الخطية وأكل من الشجرة المحرمة "ومن أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12) وهكذا صارت الخطية داخل قلب الإنسان وفي طبيعته. "كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة" (رو5: 18).
+ توارث الإنسان الطبيعة الفاسدة وسقط في خطية البعد عن الله وتعدى وصاياه وهكذا يشهد الكتاب المقدس "أنه ليس بار ولا واحد ليس من يفهم ليس من يطلب الله الجميع زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (رو3: 10- 12).

+ وهنا ظهرت حاجة الإنسان إلى غفران لخطيته وخلاص من عقاب الخطية "لأن أجرة الخطية هى موت" (رو6: 23). فنحن نعيش في الخطية والفساد نبحث عن غفران الخطايا.. ومن ينقذنا من عقاب الخطية الأكيد وهو الموت الأبدى في الجحيم؟!

والسؤال هنا: هل الأعمال الصالحة يمكن أن تغفر هذه الخطايا؟

فيقولون: إن الإنسان لابد أن يحاول إصلاح نفسه ويصنع بعض الأعمال الصالحة، فيكفر عن ذنبه.. هل هذا أمر منطقى؟! هل ننال الغفران بالأعمال؟ بالطبع لا... فإن كان هذا الحكم غير واقعى في القضاء الأرضى وغير عقلانى، فكيف يكون في القضاء والحكم السماوى الأبدى؟!.. هل يمكن لإنسان مجرم أن يتعهد بأنه سيصنع خيرًا وسيخدم بلاده بأمانة، فهذا التعهد يرفع عنه ويعفيه من الحكم ويطلقه حرًا من المحكمة.. هذا الكلام غير عادل وغير منطقى، لهذا يؤكد الكتاب المقدس "بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد" (أف2: 8، 9).

وهكذا أيضًا لو كنت أنال غفران خطاياى بأعمالى الصالحة، فهذا يعنى أيضًا أنى مداين لله.. وأطالبه أن يشكرنى لأنى استطعت أن أسدد ثمن خطاياى.. والسماء تصير حقًا مكتسبًا أمتلكتها بقوتى واقتدارى وهذا الأمر بعيد عن خطة الله وفكره.

ويأتى السؤال أيضًا: هل يمكن نوال الغفران بالتوبة القلبية الصادقة؟

- هل يكفى أن أعلن ندمى على خطاياى وتوبتى عنها وأتعهد بعدم العودة إليها مرة أخرى.. لكى يصفح الله عن ذنبى. وأحصل على الغفران.
- أحب أن أوضح أن الله محب وغافر الإثم وصافح عن الذنب لكن في ذات الوقت هو إله كلى العدل.. فالله كامل في كل صفاته.. فهو كلى الحب كما أنه كلى العدل.. والعدل يحكم بأنه لابد من دفع الثمن.. ولابد من القصاص.
- لو غفر الله للإنسان دون ثمن مدفوع فهذا معناه أن عدله ناقص ولو حكم الله على الإنسان بالموت دون رحمة، فهذا معناه أن رحمته ناقصة، فكيف يلتقى العدل والرحمة في ذات الوقت؟!

الكفارة:

الكفارة هو أن يموت واحد – إنسان أو حيوان- بدلاً عن الإنسان الخاطىء لكى يكفر أو يغطى خطيته ويوفى مطاليب العدل فيحقق عدله وفي ذات الوقت يرحم الإنسان ويحقق الرحمة الإلهية.
ومبدأ الكفارة توافق عليه كل الأديان، فاليهود في التوراة يؤمنون بالكفارة كما علمهم الرب في خروف الفصح قبيل خروجهم من أرض مصر.. ورشوا الدم على بيتهم "فيكون لكم الدم علامة على البيوت التى أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم" (خر12: 13)، وهكذا كان الخروف كفارة عن الابن البكر وهكذا علمنا الله "لأن نفس الجسد هى في الدم فأنا أعطيكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم لأن الدم يكفر عن النفس (لا 17: 11).

هكذا أيضًا في الإسلام "فصل لربك وانحر" "سورة الكوثر" وكان الرسول يدعو وهو يقدم الأضحية ويقول: "اللهم إنى أذبح هذه عن كل شعبى وكل الذين يشهدوا لوحدانيتك ولرسالتى".. ويقول المسلم في عيد الأضحى بعد عبارات التكبير "إلهى اجعل هذه الذبيحة كفارة عن خطيتى وطهر دينى وأبعد الشر عنى".
لكن هل تصلح شاة أو ثور لفداء الإنسان؟ يقول العهد الجديد لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا (عب10: 4).. لهذا كان لابد من فادى يقدم ذاته ليسفك دمه بدلاً عن الإنسان ويقدم لنا الخلاص والفداء.

لهذا أرسل الله ابنه إلى العالم لكى يموت الابن بدلاً عن كل الجنس البشرى "أما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الاعظم والأكمل غير المصنوع بيد أى الذى ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوحد فداءً أبدياً" (عب9: 11، 12)، فيسوع المسيح هو الله الذى أتى إلى عالمنا في صورة إنسان لكى يقدم نفسه فداء عن كثيرين. وكل من يقبله ويؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا والخلاص الأبدى من الخطية وعقابها... هل تؤمن بهذا؟!
وهذا ما أعلنه السيد له كل المجد في بداية خدمته هنا على الأرض "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغى أن يرفع ابن الإنسان لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم" (يو3: 14- 17).

هل حقًا مات المسيح؟

يقولون إن المسيح لم يمت على الصليب بل أتى الله بشبهه على إنسان آخر لكى يموت على الصليب ويطلق المسيح حرًا وينقذ المسيح من الموت. ويزعمون أن الله ألقى الشبه على يهوذا وهو الذى مات بدلاً عن المسيح ولكن لنا بعض الردود على هذه النظرية الخيالية.

1- هذا الإدعاء مبنى على آية غير واضحة اختلف كثير من المفسرين في شرحها لأنها تحمل عددًا من ضمائر الغائب غير الواضحة.
2- هى فكرة غير معقولة لأن هناك شهود عيان كثيرون من تلاميذ السيد المسيح وأتباعه وهم يعرفون السيد حق المعرفة وعاشوا معه أكثر من ثلاث سنوات متواصلة في عشرة كاملة معه، فلا يمكن أن يتبدل أمامهم دون أن يدروا أو يعرفوا هذه الحقيقة.
3- لو أراد الله إنقاذ المسيح من الموت صلبًا لكان له ألف طريقة لإنقاذه، كما حدث مرات عديدة في حياة المسيح.
- في الناصرة أخذه الناس مرة إلى حافة الجبل ليلقوه من فوقه لكن اجتاز في وسطهم دون أن يلمسوه (لو4: 28- 30).
- في الهيكل قرروا رجمه أما هو فاختفي من الهيكل دون أن يروه (يو8: 58).
- في أورشليم لم يلق أحد يدًا عليه لأن ساعته لم تكن قد جاءت.
4- هل يضلل الله مليارات من البشر بخدعة الشبه ويكذب عليهم ببدعة القيامة (لأن في هذه الحالة ستكون أيضًا قصة القيامة أيضًا كاذبة.. وهذه سنفرد لها مقالاً آخر في عدد قادم).. وهكذا تصير المسيحية التى تسلمناها من الآباء الأولين المعاصرين لتأسيسها من القرن الأول خدعة من خدع الله وحاشا لله أن يكون مخادعًا!
5- شرح هذه الفكرة إنجيل يدعى برنابا.. وهو إنجيل مزيف من راهب منشق عن الكنيسة وهو مكتوب سنة 1500 م أى بعد موت المسيح بخمسة عشر قرنًا ورفضه حتى العلماء من كل الأديان لكثرة أكاذيبه.

6- وهل يمكن أن تهدم كلمة مكتوبة بعد موت المسيح وقيامته بقرون عديدة قصة مؤكدة رآها شهود عيان كثيرون وكتبوا عنها بالتفصيل ولمسوها بأيديهم بكل أحداثها واتفقوا كلهم في مضمونها وأدق أحداثها؟!
لهذا نحن نؤمن أن الرب يسوع المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وقام في اليوم الثالث ليتمم الفداء والكفارة ويدفع ثمن خطايانا لكى يقدم الخلاص لكل من يؤمن به: "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (أع10: 43).

هل نفتخر بالصليب؟

قال أحدهم معترضًا: "إن الصليب هى أداة إعدام وحشية عند الرومان.. فكيف تمجدون هذه الأداة التى استخدموها لإعدام المجرمين.. وتعلقونها على صدوركم وتضعونها على كنائسكم؟!!.. هل لو قتل أحد أباك بخنجر.. هل تذهب وتمجد هذا الخنجر وتعلقه على صدرك وترسم صوره.. هل هذا معقول؟؟!!
وللرد على هذا الأخ المعترض نقول... لو كنت مجرمًا وحكمت المحكمة عليك بالموت شنقًا ولكن تقدم أبوك وقدم نفسه للموت بدلاً منك وأخذت أنت حكم البراءة .. ألا تأخذ ورقة البراءة هذه وتعلقها على صدرك وعلى حائط بيتك وتفتخر بها وسط الناس؟!.. هكذا صليب يسوع، فهو الدليل على حكم البراءة التى امتلكناه بموت المسيح الكفارى بدلاً عنا. فيسوع المسيح مات بدلاً عنى وبقى الصليب يعلن براءتى وخلاصى، فهو برهان خلاصى وسر قوتى وعنوان الحياة الأبدية لى.

هكذا يقول الرسول بولس: "فإن كلمة صليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله" (1كو1: 18)، وهكذا أيضًا شهد قائلاً: "أما من جهتى فحاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به قد صلب العالم وأنا للعالم" (غلا6 : 14)، "لأنى لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً" (1كو2: 2).


د. إيهاب ألبرت


طباعة   البريد الإلكتروني

أحدث الاضافات

logo

المقر الرئيسي - جمعية شبرا

العنوان : 12 ش قطة – شبرا- القاهرة

التليفون : 27738065 2 02+

بريد الالكتروني : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تجدنا في الفيسبوك

الانضمام إلى قائمة المراسلات

ادخل بريدك الإلكتروني للاشتراك في قائمة البريد الإلكتروني

الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.
الرجاء تعبئة الحقول المطلوبة.

بحث...