يقول بعض النقاد: إن قصة الطوفان التى وردت في سفر التكوين مجرد خرافة؟
وللإجابة على هذا السؤال أذكر عدة حقائق:
1- إن قصة الطوفان ليست قصة أسطورية ولا أمرًا مستحيلاً، فلا ننسى الزلزال المدمر الذى ضرب ثماني دول من شرق آسيا في ديسمبر عام 2004 بقوة 9 ريختر وما نتج عنه من أمواج المد العاتية (سونامى) التى ارتفعت إلى أكثر من ثلاثين مترًا، وبلغت سرعتها إلى أكثر من 500 كم/ ساعة، فتزحزحت بعض الجزر عن موقعها إلى مسافة وصلت إلى نحو ثلاثين كيلومترًا، وارتجت له الكرة الأرضية، وأثر على دورانها حول محورها، إذ بلغت قوته قوة تفجير مليون قنبلة ذرية، وأطاح بالسفن العملاقة إلى الشط وكأنها علب من ورق، واختفت مئات القرى، وقتل أكثر من ربع مليون نفس، فحدوث ذلك الزلزال يبرهن على أن ما نقرأه في سفر التكوين ليس خرافة أو أسطورة.
2- وقصة الطوفان حقيقة تاريخية مسلم بها، أكدتها الأبحاث التى تناولت فحص آثار هذا الطوفان في الجبال والوديان، ويكفى أن تقرأ ما جاء في جريدة الأخبار المصرية في 9/6/1945م "كلنا نعرف قصة نوح وقصة السفينة.. كان ذلك منذ نحو 5000 عام عندما خرجت حمامة السلام لتعود بغصن الزيتون إشارة إلى زوال الماء وعودة السلام وعفو الله. ومنذ أشهر كان الطيار الروسى "فلاديمير رسكوفتسكى" يحلق بطائرته حول قمة آرارات في أرمينيا عندما صاح به مساعده: انظر إلى أسفل.. هل ترى هذا الشىء العجيب؟ ودار فيلاديمير بطائرته ليتبين هذا البناء الضخم الجاثم على الثلج بجوار بحيرة متجمدة.. ولم يكن هذا البناء سوى سفينة نوح التاريخية. وعندما عاد إلى قاعدته وروى عندئذ القصة، سخر منه زملائه إلا القائد، الذى ألف هيئة من الإخصائيين للكشف عن هذا السر".
3- وقد اكتشف العلماء أيضًا أنه قد حدث تغير في تركيب القشرة الأرضية في بعض المناطق من العالم، فمن المعروف أن الصخور الأقدم توجد تحت الصخور الأحدث، ولكن في بعض الأماكن وجدت صخور عمرها مليون سنة، وتعلوها صخور عمرها مائة مليون سنة، أى حدث إنكسار للقشرة الارضية وتزحلق جزء من القشرة المكسورة الأقدم واعتلى الجزء الآخر الأحدث، وهذا يسمى علميًا Upheaval فظهرت طبقات الأرض وكأنها مقلوبة، وقد رصد علماء الجيولوجيا كسران مثل هذا.
4- يقول جوش مكدويل: "إن قصة الطوفان في سفر التكوين تتسم بالواقعية والخلو من الأسطورة بالمقارنة بروايات عن القصة لدى الشعوب القديمة الأخرى، مما يدل على صدقها. وتدل أوجه التشابه بين الروايات على وجود أساس تاريخى لها وليس على انتحال موسى لها، فنجد قصة مشابهة لتلك في أنحاء العالم المختلفة. فقصة الطوفان يذكرها الإغريق والهندوس والصينيون وسكان المكسيك والهنود الحمر وسكان هاواى. وتختلف الأسماء بين هذه الروايات. فنوح يدعى (زيوسودرا) عند السومريين ويدعى (أونتبيشتيم) عند البابليين. أما القصة الأساسية فلا تختلف. فهناك رجل يأمره الله أن يبنى فلكًا بمواصفات معينة، لأن الله سوف يهلك العالم بالطوفان. وعندئذ يستجيب الإله نادمًا على إهلاك الحياة ويقطع عهدًا مع الإنسان. وهذه الأحداث الأساسية تشير إلى الأصل التاريخى للقصة.
وتشير إحدى قوائم الملوك السومريين إلى الطوفان كعلامة تاريخية فاصلة، فبعد ذكر أسماء ثمانية ملوك عاشوا لفترات طويلة، نجد هذه العبارة التى تقطع التسلسل السردى للملوك: "ثم أغرق الطوفان الأرض". هناك أسباب قوية للاعتقاد بأن سفر التكوين يقدم القصة الأصلية. أما الصور الأخرى للقصة فتشتمل على الكثير من الزيادات والتفصيلات التى تدل على تشويه القصة. وفي سفر التكوين وحده نجد سنة الطوفان، بالإضافة إلى التواريخ الخاصة بحياة نوح. وفي الواقع، فإن سفر التكوين يبدو وكأنه يوميات أو سجلاً للأحداث التى مر بها الفلك. فالسفينة البابلية المكعبة لم تكن لتنقذ أحدًا، إذ أن الأمواج المتلاطمة كانت ستضربها من كل جانب.
ولكن فلك الكتاب المقدس كان على شكل مستطيل واسع وطويل ومنخفض حتى يمكنه أن يقاوم عنف الأمواج جيدًا. أما فترة سقوط الأمطار في القصص الوثنية (سبعة أيام) فلا تعد فترة كافية لما تشير إليه هذه القصص من دمار. فقد ارتفعت المياه فوق قمم الجبال لمسافة سبعة عشرة ألف قدم، ومن المنطقى أن تكون فترة هطول الأمطار أطول من ذلك. أما الفكرة البابلية التى مفادها أن مياه الطوفان انحسرت في يوم واحد، فهى غير منطقية. وأحد الاختلافات الهامة بين سفر التكوين والصور الأخرى لهذه القصة هو أن البطل في هذه القصص يمنح الخلود والمجد. أما الكتاب المقدس فينتقل إلى ذكر خطية نوح. والقصة التى تسعى إلى تقديم الحق هى فقط التى يمكن أن تشتمل على الإقرار بهذه الواقعة.
5- عندما كانت روسيا تحت حكم القياصرة كان أحد الرحالين قد عثر على هذه السفينة، فأرسل في طلب بعض الأخصائيين لفحصها.. وذهبت إليه بعثة أخصائية لتصوير السفينة وإليك ما جاء في تقريرها:
تحتوى السفينة على مئات من الحجرات علوية وسفلية بعضها كبير الحجم بدرجة تستدعى الانتباه، وبعضها مرتفع السقف، ويرجح أن هذه الحجرات المرتفعة السقوف قد خصصت للجمال أو بعض الحيوانات الطويلة العنق، وتوجد حجرات أحيطت بقضبان من الحديد تختلف طولاً وعرضًا، وأقفاص لحفظ الحيوانات الضارية. وللسفينة باب واحد من الجانب، وطاقة في أعلى السطح، وقد طليت جدرانها بالقار. هذه هى المعلومات التى وصلت إلى موسكو، غير أن الثورة اضطرمت بعد ذلك، وحرق الشيوعيون جميع الكتب الدينية التى وقعت في أيديهم، ومن بينها وثائق سفينة نوح، ثم نسى الناس كل شىء عن هذا الحادث الفذ.
وبعد سنوات أرسل بعض الأتراك بعثة علمية في هذه المنطقة لمعاينة السفينة، وقد قرر أحد رجال البعثة أن السفينة مصنوعة من خشب الجوز، وهو من فصيلة الخشب القبرصى العتيق وقد قيست أبعاد السفينة، فبلغ طول السفينة 300 ذراع وعرضها 50 ذراعًا وارتفاعها 300 ذراعًا، وهذه الأرقام قد وردت بالحرف في سفر التكوين.. ولكن هناك بعض الأسئلة المحيرة وهى: أن خشب الجوز أو القبرصى لم يظهر على سطح الأرض إلا منذ ألف سنة فقط، ثم أن هذه المدة الطويلة كافية لأن تغمر السفينة بأكوام وأطنان من الثلج لا يمكن إزالتها إلا بمجهود شاق طويل، فكيف ظهرت السفينة على وجه الأرض هكذا من غير مجهود؟
وقد أجاب بعض المؤرخين على هذه الأسئلة، فقالوا إن نوع خشب بعض الأشجار الذى صنعت منه السفينة قد انقرض ثم عاد للظهور منذ ألف عام. وقرروا أن الزلزال الذى حدث عام 1883م ودكت بعض قمم الجبال وخفضت بعض الأجزاء، هى التى أظهرت السفينة بحالتها الراهنة. فالسفينة إذا لم تتعرض للجو الخارجى إلا منذ نحو 60 عامًا، وظلت أكثر من 4500 عام وهى في باطن الأرض يحيط بها الثلج غير متأثرة بالهواء، وهذا هو السبب في حفظ كيانها، وقد أكد هذه الآراء أحد رجال الكهنوت في فلسطين.. وهكذا بعد خمسة آلاف عام تظهر السفينة.
ويقول ول ديورانت: "لقد اكتشف سير "لينور وولى" طبقة سميكة من الطمى في أسفل وادى الفرات، وهذه الطبقة تخفى أسفلها آثار حضارة إنسانية كاملة، فعلل وجود هذه الطبقة بحدوث كارثة الطوفان. وقد تناقل البابليون والعبرانيون قصة هذا الطوفان، وأصبحت بعدئذ جزءًا من العقيدة المسيحية، وبينما كان الأستاذ "وولى" ينقب في خرائب أور عام 1929م إذ كشف في عمق عظيم من سطح الأرض، عن طبقة من الغرين سمكها ثمانية أقدام، رسبت- إذا أخذنا بقوله- على أثر فيضان مروع لنهر الفرات ظل عالقًا بأذهان الأجيال التالية ومعروفًا لديهم باسم الطوفان، وقد وجدت تحت هذه الطبقة بقايا حضارة قامت من قبل هذا الطوفان، وصفها الشعراء فيما بعد بأنها العصر الذهبى لتلك البلاد".
القس عزت شاكر