هل يمكن حقًا أن نقول إن الله يندم على شيء ما؟!
ماذا يعني الندم؟ الندم هو مشاعر سلبية بالحزن والأسف على موقف أو فكرة نفكر فيها أو نعملها ثم نتراجع عن موقفنا فيها ونندم على ما عملناه. وهذه الصفة هي صفة إنسانية بكل المقاييس .. وحاشا لله أن نلصق به هذه الصفة، فهو الإله العلى القدير العالم بكل شيء في الحاضر وفي المستقبل أيضًا ولا يخفى عنه شيء.
إن الإنسان يندم، لأنه قد يفكر في شيء أو يفعل شيئًا، ثم يكتشف في النهاية أنه كان مخطئًا وكان من الأفضل ألا يفكر أو يفعل هكذا .. وقد يكون قد أدى هذا إلى عواقب وخيمة ووصل به إلى حالة غير مرضية، لهذا يندم على هذا القرار ويحاول الرجوع عنه .. لكن لا يمكن أن يكون هذا من صفات الله العلي القدير.
لماذا؟
1. لأنه العالم بكل شيء.. الماضي والحاضر والمستقبل ... فهو يعرف كل شيء وعواقب ونتائج كل شيء .. فهو لا يفعل شيئًا يمكن أن يندم عليه.
2. كما أنه بار في كل طرقه وعادل في كل أحكامه، فلهذا لا يمكن أن يندم على شيء يقرره ويقوم به.
لكن هل حقًا يندم الله .. دعونا نقرأ بعض الآيات التي تؤيد هذه الفكرة:
• "ليس الله إنسانًا فيكذب،ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟" (عدد 23: 19).
• "أيضًا نصيح إسرائيل لا يكذب ولا يندم لأنه ليس إنساناً ليندم" (1صم 15: 29).
لكن على النقيض هناك بعض الآيات والمواقف التي تحتاج إلى تفسير:
أولاً: رأى الرب الشعب وقد عبدوا العجل الذهبي الذي صنعه هارون، فتحدث إلى موسى عبده قائلاً: "فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم فأفنيهم، فأصيرك شعبًا عظيمًا" (خر 32: 10)، ولكن عندما تحدث موسى معه وتضرع .. "فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه" (خر 32: 14).
الإجابة:
1- إن كلمة "ندم" لا تعني الحزن وتغيير المواقف، لكنها في الحقيقة تعنى "تراءف وتحنن" وهذا ما أتت به ترجمة الحياة التفسيرية" فتراءف الرب ولم يوقع بشعبه العقاب الذي يتوعد به".
ولأن من صفات الله إنه رؤوف ورحيم، لهذا قدم موسى تضرعاته للرب ليطالبه بإظهار حنانه ورحمته على شعبه .. كما أشبع قلب الرب بتحمله مسئولية الشعب للتشفع لأجله.
2- لقد هدد الله بالدينونة الواقعة على شعبه، عندما رآهم يعبدون العجل، لكنه لم يصدر حكمًا ضدهم .. فالقضاء الإلهي بالهلاك لمن يخطئ ولكنه لم يقرر هذا القضاء ولم يحن وقته وهذا لا يعني أن الله تراجع عن قراره، بل عاقب الشعب ومات في ذلك اليوم 3000 رجل من الشعب.
3- لقد أجل الرب حكمه بفناء الشعب حتى يكتمل ذنبهم ويأتي يوم دينونتهم وهكذا ينتهي هذا الأصحاح بكلمات الله مع موسى "هوذا ملاكي يسير أمامك ولكن في يوم افتقادي أفتقد فيهم خطيتهم" (خر 32: 34).
ثانياً: في قصة يونان، ذهب يونان برسالة من الرب "بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى (يون 3: 4 )، ولكن تاب أهل نينوى "فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه" (يون 3: 10) واغتم يونان وعاتب الرب قائلاً: "لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر" (يون 4: 2) .. هل الله يندم على الشر؟
الإجابة: في هذه القصة كثير من المفارقات التي تحتاج إلى توضيح:
1- لقد ذهب يونان متضررًا إلى نينوى، لأنها مدينة وثنية، فلا يريد أن يتنجس بهم وكما أنه بروح النبوة يعلم أن نينوى عاصمة أشور سوف تسبي شعب الرب لديها بعد ذلك، لهذا رفض أن يذهب.
2- كانت الرسالة المقدمة للمدينة الوثنية هي رسالة دينونة، فهو لم يدعو التوبة والخلاص بل أعلن دينونة الله .. ومع هذا تاب الشعب، لأن قلبهم كان قريبًا من الرب.
3- لقد كانت إرسالية يونان لهذه المدينة هي خزي شعب إسرائيل وإثارة غيرتهم، فإن كانت المدينة الأممية تابت بمناداة يونان، ألا تتوب مدن شعب إسرائيل عن شرها بمناداة أنبيائها؟!
4- كلمة "ندم الرب" تعني هنا غفر الرب لهم خطيتهم وقبل توبتهم .. لقد نظر إلى مذلة وتضرع هذا الشعب الأممي .. وهذا ما شرحه الرب ليونان "أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة؟" (يون 4: 11).
وبهذا يعلن الرب عن غفرانه وصفحه المقدم لكل البشر والآن قد قدمه لنا على حساب دم يسوع المسيح المكتوب عنه "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية .. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو 1: 7، 9).
ثالثًا: أخطأ داود بعده للشعب .. فكان الحكم بالعقاب على الشعب، فجعل وبأ في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد، فمات من الشعب من دان إلى بئر سبع سبعون ألف رجل وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها، فندم الرب عن الشر وقال للملاك المهلك الشعب كفى" (2صم 24: 15، 16).
هل يندم الرب عن إهلاك الشعب؟!
الإجابة:
1. لقد كان عقاب الرب لشعبه بسبب خطيتهم وليس بسبب داود، لهذا يبدأ الأصحاح وعاد فحمي غضب الرب على إسرائيل (2صم 24: 1)، فالخطية هي خطية الشعب، لذلك حكم الرب بعقابه.
2. لقد طلب داود عن الشعب مراحم الرب ورأفته فقال: "لنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة" (ع14)، لقد طالب الرب برحمته وهذا يحمل توبة وطلب غفران عن الشعب.
3. لقد أوقف الرب الملاك المهلك قبل أن يبسط يده على أورشليم. وعندها ينظر الله إلى أورشليم تذكر الابن الوحيد الذي سيأتي ويقدم نفسه ذبيحة على صليب الجلجثة في أورشليم وهذا يكفي لغفران خطية الشعب .. إن أورشليم مدينة أعظم إعلان عن يسوع المسيح فلم يقترب منها الملاك المهلك، بل يعلن الله عن غفرانه عنها.
وأخيرًا: هل يفرح الله بموت الخاطئ؟ لا. فهو إله يكره الخطية، لكنه يحب الخاطئ فيقول: "هل مسرة أسر بموت الشرير؟ يقول السيد الرب. ألا برجوعه عن طرقه فيحيا؟" (حزقيال 18: 23)، لهذا تفرح السماء برجوع الخاطئ وتوبتهويكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى توبة (لو 15: 7)، لهذا نسمع كلمات الوحي المقدس ينادي علينا: "توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب" (أع3: 19).
د. إيهاب ألبرت