" لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ" (تي 2: 11 )
إن النعمة ليست هي رحمة الله وليست هي كذلك مجرد محبته. إنها المحبة متصاغرة ومتواضعة ومتنازلة إلى الخطاة الهالكين لإنقاذهم وخلاصهم. إن النعمة هنا ليست مبدأ من المبادئ، ولا هي شيء معنوي. إنها الله المُخلِّص ظاهر في شخص إنسان. وقد ظهرت بشكل يستطيع كل إنسان أن يراها ويقبلها. إنها لم تظهر لكي تطلب شيئاً من الإنسان، ولكن لكي تحمل إليه شيئاً لا تُقدَّر قيمته ـ الخلاص! والذي يعطي النعمة هذه القيمة هو أنها نعمة الله. فهي لذلك مُطلقة وكاملة. فكل نعمة أقل من نعمة الله لا يمكن إلا أن تكون ناقصة ووقتية. أما نعمة الله فأبدية كما أنه هو أبدي. إن نعمة الله تقدم الخلاص، إنها لا تطلب شيئاً من الإنسان ولا تفرض عليه شيئاً لكي تُخلّصه كما يفعل الناموس. إنها تعطيه دون أن تطلب منه عوضاً، وماذا تعطيه؟ الخلاص.
إن النعمة مُطلقة. فلا يُقال عنها أنها ستُخلِّص ولا حتى أنها خَلَّصت، بل مُخَلِّصة. وهذا يجعل الخلاص شيئاً تاماً كاملاً أكيداً محققاً وثابتاً لا يمكن أن يتغير أو يُسحب. والأكثر من ذلك أنها ظهرت لجميع الناس. فنطاقها يتناول العالم كله ولا يمكن لشخص أن يستثني نفسه منها.
وهذه النعمة الإلهية العجيبة ـ منحة الخلاص المجاني ـ تتناقض مع كل أفكار الإنسان منذ السقوط. فهو لا يريد أبداً أن يفهم في كبريائه أن عطية الله لا تُكلّفه شيئاً. إنه لا يقبل هذا مُطلقاً. إنه بسهولة يقبل إلهاً مخلصاً يأمره بالسعي والاجتهاد للحصول على الخلاص، أو إلهاً مخلصاً يساعده في الحصول على هذا الخلاص أو معلماً إياه الوسائل المختلفة للوصول إلى هذا الخلاص. إنه يفهم خلاصاً ناتجاً من غيرته للأعمال الصالحة، ولكنه لا يستسيغ أبداً خلاصاً كاملاً مجانياً. الإنسان يريد أن يقدم شيئاً، مهما كان قليلاً، للحصول على هذا الخلاص، حتى يستطيع أن يفتخر به فيما بعد. والواقع أين هو الإنسان الذي يشتري شيئاً ثميناً بثمن بخس ولا يتفاخر بذلك؟