"كثيرون يقولون مَنْ يُرينا خيراً. ارفع علينا نور وجهك يا رب "(مز 4: 6 )
قد يسعد أهل العالم إذ تصفو لهم الحياة ظاهراً. فالسعادة عندهم تتوقف على الظروف. فإذا كانت الظروف مرتبة، يكون الإنسان سعيداً. والسعيد في نظر أهل العالم هو الموَّفق في ظروفه. أما المؤمن الحقيقي فإنه مهما تكن ظروفه مُضادة، وحتى لو تحطمت كل المساند الأرضية التي يمكن التوكؤ عليها، فإنه يعلم أن أمره مع إلهه، وأن كل ما له في إلهه لا يمكن أن يتحطم بأي حال من الأحوال. وشعاعة واحدة من نور وجهه كافية لأن تبدد كل كآبة وحزن، وتملأ النفس غبطة وسعادة لا يمكن أن توجد في كل مصادر الأرض.
وكم هو مستحيل أن تختبر هذا الفرح نفس بعيدة عن محضر الله! فالناس طالما انحرفوا عن الله لدرجة أنهم فقدوا الإحساس بأن الصلاح والخير هما في الله. ومن هنا تحولت مُناشدة "بني البشر" إلى صلاة "ارفع علينا نور وجهك يا رب": النور الذي به وحده "نرى نوراً" فنكتشف الحقيقة الواقعة وهي اعتراف المرنم "جعلت سروراً في قلبي أعظم من سرورهم".
أيها الحبيب: دَع الناس في أنينهم المأثور "مَنْ يُرينا خيراً؟" فأنينهم يتفق تمام الاتفاق مع اختبارهم الأليم بعدم كفاية مصادر هذا العالم من "حنطة وخمر". إنما الأنشودة الحلوة الصادرة من القلب الذي شبع بالمسيح واغتنى به "جعلت سروراً في قلبي أعظم من سرورهم" هي لهجنا المستمر وهي النغم الحلو الصادر من قلوبنا، ولنا في "غنى المسيح الذي لا يُستقصى" ما يكفي لأغاني متصلة لا تنتهي.
لا يزال قلب كل إنسان خاوياً فارغاً يردد صدى تلك الصرخة القديمة "مَنْ يُرينا خيراً؟". ولكن هيا بنا نتحول إلى الرب الذي يعطي الجواب الشافي المرموق لكل قلب متعطش في "النصيب الصالح الذي لن يُنزع". إن عرش سليمان في كل مجده لا يمكن أن يكون موضع مقارنة مع عرش مريم الجالسة في تواضع عند قدمي السيد، تلك الجلسة التي كانت إليها الحاجة، وفيها الحل الشافي لأنَّة القلب "مَنْ يُرينا خيراً؟".
ألا ليتك يا نفسي تعرفين هذا. اجلسي أنتِ أيضاً عند قدميه وأنتِ شاعرة بفراغك وعوزك، فهو النصيب، وهو الخير الصالح الذي يبدد ظلماتك ويملأك نوراً وإشراقاً، بهجة وترنيماً.