"نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" ( في 1: 2 )
إذا رجعنا إلى افتتاحية رسائل الرسول بولس، سوف نجد أن التحية في معظم الرسائل الموجهة إلى الكنائس يذكر فيها هاتين الكلمتين: "النعمة والسلام". كان خلاصنا بالنعمة "أَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ" ( أف 2: 8 ) وتحملنا النعمة طول الطريق، لم تطرحنا جانباً أو تتركنا ولو إلى لحظة "الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ" (رو 5: 2 )
وسوف تستمر معنا إلى يوم ربنا يسوع المسيح "لِذلِكَ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ، فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" ( 1بط 1: 13 ). والنعمة هي محبة الله الظاهرة في مشهد شر الإنسان، ومنتصرة على شره بالخير والإحسان إليه، وهذا الإحسان نابع من محبة الله وليس من شفقته. وفي (عدد29 ) من هذا الأصحاح نجد أن النعمة التي أعطتنا أن نؤمن بربنا يسوع المسيح أعطتنا أيضاً أن نتألم لأجله، وتعطينا الشجاعة والقوة التي تحتمل الضيقات وتجعلنا نفتخر أيضاً في الضيقات، والأمر كله من الله وليس منا.
أما السلام هنا فهو سلام الله، وليس السلام مع الله " فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" ( رو 5: 1 )، والذي تبرر بالإيمان وأصبح في سلام مع الله لا بد أن يتمتع بسلام الله، أي سلام الطريق الذي يملأ به قلوبنا رغم كل ما يحيط بنا من ظروف. والرب يسوع له المجد ذكر هذين النوعين من السلام إذ قال: "سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم". فالسلام الأول هو السلام مع الله الذي صنعه لنا بسفك دمه الكريم، أما السلام الثاني فهو سلام الطريق، نفس السلام الذي كان متمتعاً به هو هنا أثناء وجوده على أرضنا.
كان الرسول بولس يرغب في أن يتمتع المؤمنون في فيلبي بالسلام رغم الضيق الذي كانوا يكابدونه. وهل هذا ممكن؟ هل يتفق السلام مع الضيق والاضطهاد؟ ومع أن اتفاقهما معاً أمر غريب ولكن في الإمكان سيرهما معاً حين يُطرح الأمر أمام عرش النعمة "لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ" ( في 4: 6 ).
والنعمة والسلام مُقدمان من الله الآب والرب يسوع المسيح إذ لا يستطيع أحد غيرهما أن يعطي هذه العطايا السماوية الثمينة المجانية، ونرى هنا الآب والابن معاً، ولو لم يكن الابن أحد أقانيم اللاهوت ما كان من الممكن أن يقرنه الرسول مع الآب.