"فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع إني لا أجد علة في هذا الإنسان" (لو 23: 4)
"فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع إني لا أجد علة في هذا الإنسان ... إني لم أجد فيه علة للموت. فأنا أُؤدبه وأطلقه" ( لو 23: 4 ،22)
من قراءة البشائر الأربع نرى بوضوح اقتناع بيلاطس الشديد ببراءة المسيح؛ حتى أنه صرَّح ثلاث مرات أنه لا يجد فيه علة ( لو 23: 4 ، 13ـ15؛ يو18: 38، 19: 4،5)، بالإضافة إلى رسالة زوجته ( مت 27: 19 ) والتي بلا شك زادت من اقتناعه ببرائة المسيح. وكان المنطق يحتم أنه يأمر بإطلاق المسيح بعد أن اقتنع عقلياً وقلبياً ببراءته. لكنه للأسف لم يفعل، وجرَّب سياسة الحلول الوسط، والتي جعلته يرتكب جريمة عمره، بل جريمة التاريخ بأكمله.
وكثيرون اليوم نراهم في الموقف ذاته، مقتنعون أشد الاقتناع باحتياجهم للمسيح المخلِّص، وبأحقية المسيح أن يكون ملكاً وسيداً على حياتهم، والأمر لا يحتاج منهم إلا إلى قرار واحد يؤخذ، إلا أنهم، ورغم كثرة قراراتهم المتهورة في شتى نواحي الحياة، تجدهم يتقاعسون في هذا القرار الخطير والمختص بأبديتهم، ويجرّبون الدبلوماسية والحلول الوسط، والتي تؤدي بهم إلى الندم الأبدي هناك في بحيرة النار. أنظر ماذا فعل بيلاطس:
أولاً: الهروب من اتخاذ القرار ( لو 23: 7 ): وذلك بأن أحال القضية إلى هيرودس. لكن إلى أين الهروب يا مسكين؟ لقد عاد المسيح ليقف أمامه مرة أخرى. وليعلم قارئي العزيز أنه ما من إنسان على وجه الأرض إلا وله وقفة مع المسيح، إما أن يحكم كالقاضي هنا لصالح المسيح، أو ليحكم المسيح عليه كالمتهم في يوم الدينونة. وإن استطاع أن يهرب اليوم من الحكم لصالح المسيح الصابر، فلن يستطيع غداً الهروب من حكم المسيح الديان.
ثانياً: الحلول الوسط؛ الجلْد بدل الصليب ( لو 23: 16 ،22): قال أؤدبه وأطلقه. فضميره يصرخ بأن المسيح "بريء يُطلق"، واليهود يصرخون أن المسيح "مُذنب يُصلب"؛ فكان حلّه ليرضي الطرفين: المسيح "بريء يُجلد"!! ويا للعار والخزي من هذا القرار الغبي والذي كانت نتيجته أنه بدلاً من الهروب من صلب المسيح واستبداله بالجلد، أنه جلد المسيح وصلبه. وكم من أُناس اليوم هرباً من حسم القضية لصالح المسيح ضد العالم والشيطان والخطية، يحاولون إرضاء العالم وإرضاء الله، ويا لجهلهم. فستكون النتيجة الحتمية هي إرضاء العالم ومُضاعفة الإهانة لله.