"استيقظ يا سيف على راعيَّ وعلى رجل رفقتي. اضرب الراعي "( زك 13: 7 )
آلام الكفارة هذه لا قدرة لنا على الإحاطة بهولها أو قسوتها، ولنعرف شناعتها نتأمل في النقاط الآتية:
1 - وجود المسيح في مركز الخطاة:
إن المسيح بسبب نيابته عنا على الصليب، اعتُبر في نظر العدالة الإلهية كالأثيم، فقد قال الوحي عنه "وأُحصي مع أثمة" (إشعياء53: 12 ) كما اعتُبرت خطايانا بكل فحشها ودنسها كأنها خطاياه الشخصية. وقد رأى داود النبي هذه الحقيقة منذ القديم، فقال بلسان المسيح "خطاياي وآثامي" ( مز 69: 5 ) مع أنه لم يرتكب خطيئة أو اقترف إثماً، وإذا كان أنبل إنسان في الوجود، مع كونه خاطئاً بطبيعته، يتألم ألماً شديداً عندما ينسب إليه إثم ارتكبه غيره، فلا ريب أن المسيح كان يتألم في نفسه على الصليب آلاماً لا حد لها. لأنه وهو القدوس البار قد وُضعت عليه كل آثامنا، وأصبح بذلك ليس كمجرد أثيم، بل كما لو كان هو كل هؤلاء الأثمة حاملين آثامهم ومعاصيهم معهم، بل أصبح تبارك اسمه كما لو كان هو ذات الخطيئة التي أفسدت العالم بأسره وتعدّت على حق الله وناموسه.
وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة فقال عن الله "جعل الذي لم يعرف خطيئة (أي المسيح) خطيئة لأجلنا، لكي نصير نحن بر الله فيه" ( 2كو 5: 21 ).
2 - قبوله عار الخطيئة:
ولوجود المسيح في مركز النائب عن الخطاة، أخذ على نفسه عارهم أو بالحري عار خطاياهم، وعار الخطيئة ليس بعده عار. فقد قال الوحي "عار الشعوب الخطيئة " ( أم 14: 34 ) وقد أحس المسيح بهذا العار بدرجة لا نستطيع تصورها. لأن إحساس القدوس البار بعار الخطيئة أدق بدرجة لا حد لها من إحساس الإنسان المولود بها والعائش فيها. وقد رأى داود بروح النبوة العار الذي أحس به المسيح عندما كان معلقاً على الصليب، فقال عن لسانه قبل مجيئه إلى الأرض "العار قد كسر قلبي فمرضت" ( مز 69: 20 ) لأن العار هو الذي قد حطم قلب المسيح المنطوي على أسمى العواطف وأقدسها، وأحنى رأسه العالية المُشبّعة بأرق المبادئ وأطهرها، فاعتراه أو بالحري اعترى نفسه، المرض، ومرض النفس أشر مرض في الوجود، لأنه أثقل الأمراض وأسرعها فتكاً بالإنسان.