"فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟" ( مر 4: 38)
"فحدث نوء ريح عظيم ... وكان هو في المؤخر على وسادة نائماً. "فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟" ( مر 4: 37 ،38)
يا له من سؤال جارح! كيف دار بخلدهم أنه غير مُبالٍ بضيقتهم، وكيف نسوا محبة قلبه وقدرة ذراعه حتى تفوهوا بهذه العبارة "أما يهمك أننا نهلك؟". ولكننا نرى في التلاميذ صورة لنا جميعاً، فكم من مرة إبان التجربة والضيق تردد قلوبنا هذه الكلمات "أما يهمك"، وإن كنا لا نلفظها بشفاهنا، فإن أصابتنا الأمراض فنحن نعلم أن كلمة من الإله القدير تُزيل العلة وتُبرئنا من الداء، ومع ذلك نجده ممتنعاً عن إرسال تلك الكلمة. وإذا ضاق رزقنا ووقعنا في مخالب الحاجة والعوز، فنحن نعلم أن للرب الذهب والفضة وكل كنوز الكون، ومع ذلك يمر يوم بعد يوم وهو لم يسد حاجتنا. وقصاري القول فإننا نجتاز في المياه العميقة وتعج الأمواج وتعصف الرياح ضدنا وتضرب سفينة حياتنا إلى أن نبلغ نهايتنا وعندئذ يجيش في صدورنا هذا السؤال المؤلم "أما يهمك".
ما أسخف عدم الإيمان وما أظلم أوهامه! كيف يمكن أن ذاك الذي بذل نفسه عنا وترك مجده حباً بنا ونزل إلى عالم التعب والبؤس ومات موت العار لينقذنا من الغضب الأبدي، كيف يمكن أنه يهملنا ولا يبالي بنا؟ وكيف يمكن أن نهلك والرب معنا في السفينة؟ إنه يسمح لنا بالتجربة لامتحاننا لتكون تزكية إيماننا وهى أثمن من الذهب الفاني مع أنه يُمتحن بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح.
قال داود مرة "سأهلك يوماً بيد شاول" ( 1صم 27: 1 ) ولكن ما الذي حدث؟ هلك شاول على جبل جلبوع، أما داود فتبوأ عرش إسرائيل. ومرة هرب إيليا لحياته من تهديد إيزابل ولكن ماذا كانت العاقبة؟ ماتت إيزابل مهشمة البدن، أما إيليا فأخذته مركبة من نار إلى السماء. وهذا نفس ما ظنه التلاميذ "أننا نهلك" ولكن ماذا جرى؟ قام ذاك الذي أوجد الكون من لا شيء وأسكت العاصفة وأبكم البحر، وما كان هذا إلا جواباً على سؤالهم "أما يهمك؟" فما أبهى نعمته! وما أعظم مجده! ليتبارك اسمه القدوس. مَنْ ذا الذي لا يثق فيه ويتكل عليه؟ ومَنْ ذا الذي لا يسجد له ويتعبد ويخشع أمامه! وهو مستعد لسد أعواز شعبه وتهدئة روعهم وتبديد مخاوفهم. ليتنا نزداد ثقة فيه ببساطة القلب.