"فصنعوا له هناك عشاء" (يو 12: 2 )
بينما كانت حياة الرب المكرسة، والتي طرحت الذات جانباً لكي تخدم الآخرين بالمحبة، تقترب من نهايتها، وكانت خطوات حياته التي تتسم بالمحبة وفعل الخير للجميع توشك أن تنهى مشوارها، صنع له بعض من أحبائه وليمة كما نقرأ "فصنعوا له هناك عشاء".
ولنلاحظ أنه حينما صنع لاوي ضيافة للرب في بيته " وصنع له لاوي ضيافة كبيرة في بيته. والذين كانوا متكئين معهم كانوا جمعا كثيرا من عشارين وآخرين"(لو 5: 29 ) ، وكانت ضيافة كبيرة، كان مع الرب جمع كثير من عشارين وآخرين، ليوزع - تبارك اسمه - البركة للخطاة. أما العشاء الذي صنعوه له في بيت عنيا فقد جلس الرب مع عدد قليل من خاصته ليقبل سجود قديسيه.
كان الرب حينئذ هو مركز وغرض هذه الوليمة. صحيح أن لعازر وآخرين كانوا هناك، لكننا نقرأ أنهم اتكأوا معه. كان العشاء له، وكان الضيوف معه، وكانت هذه الفرصة مباركة وعظيمة إذ كان ابن الله حاضراً فيها وكان هو محورها.
كانت مريم عند قدمي الرب تقدم سجود قلبها لمن أحبته. إن العواطف القلبية الـمُحبة للمسيح هي السر وراء كل خدمة حقيقية. وإذ كانت تتحرك بالمحبة نحوه، فقد عملت الشيء الصحيح في وقته.
ربما فكّر البعض أن عليها أن تترك طيب الناردين في القارورة ثم تقدمها للمسيح، ولكنها لو فعلت ذلك لما كان لائقاً بكرامة السيد، ولكنها سكبته عند قدميه، وبهذا عملت الشيء الصحيح.
وربما ظن آخرون أنه كان عليها أن تسكب الطيب عند قدميه في بداية خدمته، أما هي فانتظرت حتى اقتربت ساعة الصليب والقبر وتحركت بدوافع المحبة متممة العمل الصحيح في وقته الصحيح حيث قال الرب "إنها ليوم تكفيني قد حفظته".
كان المسيح هو كل شئ لمريم، كان هو - له المجد ــ حياتها، وكل ما امتلكته كان مكرساً له. فالناردين الكثير الثمن، وشعر رأسها الذي هو مجدها ــ الكل استخدمته لإكرام المسيح. يقيناً أنها قد نسيت ذاتها في هذا العشاء وقدمت كل ما عندها، إذ كانت تفكر فقط في المسيح.
وكم هو مبارك أن نصنع له العشاء بذات روح السجود، ناسين أنفسنا وكل ما نقدم من عطايا، ولا ندع شيئاً يشغلنا عنه، حينئذ لا نرى أحداً غير يسوع وحده ومجده وحده.