"طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون"(مت 5: 6)
سعداء هم الجياع
إن الناس جميعاً ينشدون السعادة والفرح، ويسعون إلى ذلك سعياً حثيثاً. لكن سعيهم هذا لا طائل من ورائه، ولماذا؟ لأنهم بالأسف يتجاهلون المسببات للحزن. يتجاهلون أنهم بابتعادهم قلبياً وروحياً عن الله، فإنه من المستحيل أن يكونوا سعداء مهما قدّم العالم لهم من المسرات والملذات، لأن "كل مَنْ يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً" (يو 4: 13).
إن سر الشقاء هو ابتعاد الإنسان عن الله، مصدر البركة والفرح. لقد خلقنا الله على صورته وكشبهه لتكون لنا معه علاقة وشركة. لكن الخطية أبعدتنا عن الله، وآثامنا صارت فاصلة بيننا وبين إلهنا. ولهذا فلن نشعر بالاكتفاء والشبع إلا إذا عُدنا إليه من جديد. ولأن الخطية هى الداء، فطوبى لكل شخص عرف داءه، وبدأ يحن لعيشة البر. طوبى لمن يريد التوافق مع الله، ويكون هذا هو أهم رغبة في حياته، أمامها تصغر كل الرغبات الأخرى أو تتلاشى.
تقول الآية: إن الذي يجوع ويعطش إلى البر هو شخص سعيد، هو سعيد لأنه حتماً سيُشبع. ويا لها من كلمات موجهة لكل قلب حزين على ما وصل إليه، ولكل يائس من حاله.
إن الجوع في ذاته يدل على الحياة، فالميت لا يجوع. لذلك طوبى لمن يجوع ويعطش إلى البر. إن هذا الشخص بدأ يشعر بافتقاره الشخصي إلى البر الذي يظهر أمام الله. وهو لم يَعُد مكتفياً بمظاهر البر الخارجية، مثل تلك التي كان يفعلها الكتبة والفريسيون أيام المسيح من ترديد للصلوات، أو ذهاب إلى المجامع، أو امتناع عن بعض الأكلات، أو عمل الخير .. إنه يشعر أن هذا كله خارجي ولا قيمة له على الإطلاق، فالمرض أعمق، والضربة في القلب لا في الجلد.
إنه جائع وعطشان إلى البر، ويعلم أن أعمال بره هى كثوب عِدّة بلغة إشعياء النبي "وقد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عدة كل أعمال برنا، وقد ذبلنا كورقة، وآثامنا كريح تحملنا" (أش64: 6)، أي مجرد خرق نجسة لا يمكن أن يظهر بها في حضرة الله القدوس. أو هى نفاية بلغة الرسول بولس " بل إني أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح"(في 3: 8).
والنفايات ليست فقط لا قيمة لها، بل هى أيضاً مُضرّة، وينبغي التخلص منها فوراً. أو هى رجس قدام الله كما قال عنها المسيح في لوقا16: 15 بمعنى أن الله يبغضها وسوف يحاسب عليها ويدينها.