"أبعد عني الباطل والكذب.لا تعطني فقرا ولا غنى. " (أم 30: 8)
إن صلاة أجور بن متقية مسا هذه تجد ترحيباً وصدى في قلوب القديسين في كل تدبير، فهي صلاة تليق بأي واحد من أولاد الله.
"أبعد عني الباطل والكذب. لا تعطني فقرا ولا غنى. أطعمني خبز فريضتي،9 لئلا أشبع وأكفر وأقول: «من هو الرب؟» أو لئلا أفتقر وأسرق وأتخذ اسم إلهي باطلا." (أم 30: 8 ،9)
حتى ولو تعلم من النعمة أن يقول "قد تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه ... قد تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص" (فى4: 11، 12). فإنه حينما يكون القلب مشغولاً بالمسيح، حينئذ فقط ينتصر القديس على كل الظروف. وكل مَنْ يعرف نفسه يدرك جيداً لماذا صلى أجور طالباً ظروفاً معتدلة، إذا كان ذلك بحسب مشيئة الله. فهو لم يخامره سوء ظن بكفاية القوة الإلهية لحفظه في أي حال، بل كان يعرف مقدار ضعفه وفشله هو.
وأولى هاتين الطلبتين اللتين طلبهما من الرب، هي أن يُحفظ من الإثم. كان يرجو من الرب أن يبعد عنه "الباطل والكذب" ذلك أن إنسان الله يخشى الخطية ويبغضها. ويستحيل على الطبيعة الجديدة التي فيه أن تجعله سعيداً وهو سائر في طريق شرير. لأن القداسة هي غبطته وسعادته. ومن هنا، فهو يئن طالباً الخلاص من الجسد، ذلك المبدأ الأثيم بين جنبيه، والذي هو ضد الطبيعة الجديدة.
والطلبة الأخرى ذات صلة بالأمور الوقتية، وجديرة بالملاحظة. إننا نستطيع أن نفهم جيداً أن إنساناً يطلب من الله أن يعفيه من الفقر، لكنه غير مألوف أن نرى واحداً يتهيب الثراء ويطلب حفظه من الغِنى. لقد كان أجور يخشى الفقر المدقع لئلا يكون ذلك فرصة لحركات الجسد في حالة الضعف، فيقوده إلى عدم الأمانة، ويجلب عاراً على اسم إلهه، لكن الغِنى أيضاً كان شيئاً يخافه. فمن المعروف أن الناس يزدادون استقلالاً عن الله كلما ازدادت خيراتهم الزمنية "فسمن يشورون ورفس. سمنت وغلظت واكتسيت شحما!" (تث 32: 15 ) .
والأغنياء معرَّضون لكثير من الشراك التي يعرف القليل عنها أولئك الذين هم في ظروف معتدلة، وهذا قد لاحظه أجور. من أجل ذلك لم يرغب أن يمرح في الرفاهية. وإنما أراد أن يشبع بالطعام الذي يلائم مكانته في الحياة وكان يتمنى، إذا شاءت مشيئة الله، أن يشغل مركزاً وسطاً بين هذين المتناقضين: الفقر العميق والثراء العريض. وعلى قدر ما نزداد في الحكمة والتقوى، يزداد تقديرنا وتمسكنا بطلبتي أجور.