" أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل" (مت 5: 14 )
المؤمنون بالطبيعة مثل غيرهم من البشر، كانوا يعيشون في الظلمة " الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور " (مت 4: 16 ) بل هم أنفسهم كانوا ظلمة (مت 4: 16 )
- أي أن ما يميزهم طبيعياً هو الظلام. وإن كان النور في الكتاب المقدس هو تعبير عن الفرح والسرور، فإن عكسه الظلمة التي ننحني تعبير عن الجهل والحزن، بل عن كل ما هو مضاد لله الذي هو نور، وهو أبو الأنوار (مت 4: 16 ) .
وعندما ولد المؤمنون من الله، حدث تغيير في حياتهم، كقول الرسول بولس "كنتم قبلاً ظلمة، وأما الآن فنور في الرب" (مت 4: 16 ) . لقد صاروا يعيشون في النور، والنور يعيش فيهم، وأصبحت الطبيعة الإلهية التي ننحني محبة، وأي ننحني نور، تميزهم الآن.
والمسيح عندما يقول هنا "أنتم نور العالم" فإنما يشير إلى فترة غيابه عن الأرض، لأنه قال مرة " ثم كلمهم يسوع أيضا قائلا:«أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة" (يو 8: 12 ) وأيضاً "ما دمت في العالم فأنا نور العالم" (يو 8: 12 ) . فالنور الحقيقي هو المسيح نفسه (يو 8: 12 ) والمؤمنون نظراً لحياة المسيح فيهم، أصبحوا الآن نوراً في الرب.
الله في مطلق لاهوته هو النور. والمسيح بمجيئه إلى العالم أصبح نور العالم أي الشمس. فالشمس التي ننحني مصدر النور للأرض، والمركز الذي حوله تدور الأرض وباقي المجموعة الشمسية، وأي بدونها يمسي كل ما حولنا مُظلماً بارداً ميتاً، تمثل المسيح " ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها، فتخرجون وتنشأون كعجول الصيرة " (ملا 4: 2 ، مت17: 2، رؤ1: 16).
لكن شكراً لله الذي كما جعل النور الأكبر (الشمس) لحكم النهار، فإنه جعل النور الأصغر (القمر) لحكم الليل. فالذي ليل غياب واحتجاب المسيح عن العالم، فإن الكنيسة تشغل وضع القمر إذ تعكس للأرض نور سيدها المحجوب عن الأبصار. والمؤمنون أفراداً هم الكواكب الترابي تدور حول الشمس، أو هم النجوم الترابي تهدى المسافرين ليلاً فهي الفيافي وفى البحار.
هذا هو المقصود من القول "أنتم نور العالم". فالمؤمنون هم كذلك طوال فترة غياب المسيح عن العالم، وحتى الوقت الذهبي فيه تشرق شمس البر والشفاء فهي أجنحتها. عندما يظهر المسيح من جديد فهي العالم.