" هُوَذَا طُوبَى لِرَجُل يُؤَدِّبُهُ اللهُ. فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ" (أى5: 17)
هذه كلمات أليفاز التيماني ضمن حديثه الذي وجهه إلى أيوب، ونرى فيها خطاباً عجيباً في تعبيره ورفيعاً في تعليمه. فطوبى حقاً لمن يحظى بمعاملات الله معه ويوضع على دولاب ذلك الفخاري الأعظم ليعود ويصنعه وعاء آخر كما يحسن في عينيه.
وطوبى لنا حقاً ونحن على دولابه ونشعر بضغطات يده ولمسات أنامله الحانية ونسمع وراء هذه الضغطات وهذه اللمسات نبض قلب مُحب فنتشدد ونتشجع ونقول "هي يدك يا سيدي".
والكتاب المقدس حافل بهذا الحق الكريم لأولاد الله المحبوبين، وليتنا نتعلم أن نغض الطرف عن الأسباب الظاهرة وعن الآلات البشرية المستخدمة بل حتى عن الشيطان نفسه في كراهيته لنا. بل ليتنا ننظر إلى تلك اليد التي لا تدع واحداً من أولاد الله يذرف دمعة بدون قصد، عالمين أنه يجرح وواثقين أنه يعصب وأنه يسحق ويداه تشفيان "ما أطيب وما أرق يدك يا سيدي".
أخي المتألم في دائرة خطة الله الحكيمة التي من خلالها يعمل لخيرك؛ لا تنظر إلى أيوب حتى لو كان مثلاً للصبر كما دون عنه ذلك الروح القدس بالقول " هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ" (يع 5: 11 ) لكن بالأولى كثيراً جداً أمعن النظر متأملاً في رجل الأوجاع الحقيقي ومُختبر الـحَزَن الذي جُرح وسُحق "سُر بأن يسحقه بالـحَزَن" وبرضا كامل تجرع كأس الألم من يد الله متمماً مشيئة الله قائلاً أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت.
واعلم أنه من النبع الثابت المبارك يأتي العون السريع "يجرح ويعصب، يسحق ويداه تشفيان". وكم هو خير لنا أن نعلم أن الكل من الله. التجربة والخلاص منها، الجرح والسحق، العلاج والشفاء.
أخي المتألم مهما كانت درجة حرارة البوتقة، ثق أن عينيّ الصائغ الجالستان في وقبيهما هما عليك. إنه في وقت معين في فكره يرفع البوتقة عن الموقد وذلك عندما يصل إلى بريق ولمعان تقدره حكمته الفائقة وخبرته في إخراج معادن نقية خالية من الزغل فتصلح إناء للصائغ. ودعنا نكرر معاً القول: هي يدك يا سيدي وحكمتك الفائقة.