"إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ " ( يو 7: 37 ،38)
في هذه الكلمات القليلة نرى خُلاصة الإنجيل :
(1) شعور بالعطش:
إن التأثير المباشر الذي أحدثته الخطية بدخولها إلى العالم، هو شعور النفس البشرية بالعطش. فلقد انفصل الإنسان عن الله، الذي هو الينبوع الحقيقي الذي ترتوي منه النفس. وكما قيل "يا الله لقد خلقتنا لذاتك، ولن تجد نفوسنا راحتها إلا بالرجوع إليك". ولقد حاول الإنسان على مرّ الأجيال والعصور أن يشعر بالارتواء فأوجد لنفسه «اختراعات كثيرة» ، ولكن دائماً كان الشعور بالعطش يزداد في نفسه. والمرأة السامرية حاولت أن تروي ظمأها، بأزواج كثيرين، ولكنها لم تشعر بالارتواء إلا حينما وجدت رجل بئر سوخار، فهو الذي أعلن قائلاً: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً، أما من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية».
(2) الإقبال إلى المسيح:
«فليقبل إليَّ» يا لها من كلمة رائعة! إن النفس البشرية التي تشعر بظمئها ليس لها إلا مصدر واحد للارتواء: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال»، «عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي». إن عمل الروح القدس في الخطاة، هو أن ينشئ فيهم الشعور بالعطش، فيعرف الخاطئ أن الآبار التي حفرها لنفسه لا تضبط ماء.
(3) الارتواء والفيضان:
إن الإنسان الذي أقبل إلى المسيح وشرب من نهر نعمته المتدفقة، لا يرتوي فقط، بل تجري من بطنه أنهار فائضة تروي كل الذين حوله. والبطن في الكتاب تشير إلى الأخذ دون توقف. إنه ذلك المكان الذي يأخذ ولا يشبع ولا يرتوي مطلقاً. ولكنه هنا قد ارتوى وفاض منه ليروي آخرين أيضاً.
يا لروعة ما قاله سيدنا! لقد صور كل اختبار البشرية وتاريخها في هذه الكلمات الثلاث: "عَطش، إقبالٌ، شربٌ"