"وَلَمَّا رَجَعَ يَسُوعُ قَبِلَهُ الْجَمْعُ لأَنَّهُمْ كَانُوا جَمِيعُهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ" ( لو 8: 40 )
كانت السفينة التي تشرفت بأن تحمل شخص الرب يسوع وتلاميذه تعبر بحر الجليل آتية من كورة الجدريين ووجهتها كفر ناحوم. لقد ترك الرب وراءه تلك الكورة التي أبغضت حضوره ( لو 8: 37 )، وإذ رجع عنهم كان يستقبله جمهور منتظر متعطش، اجتمعوا حول الشاطئ، كانوا يرسلون أبصارهم متفرسين في مياه البحيرة، يتلمسون رؤية لمحة للسفينة القادمة. ربما اختلفت عواطف الأفراد وتنوعت بواعثهم واختلطت على كثرتها، إلا أنهم كانوا جميعاً في حالة انتظار، متعطشين بشوق شديد إلى مجيئه.
كان الجمع على البحر متلهفين على ذلك الإنسان الكفء لأن يوزع عليهم بركة الله. لم يكونوا متراخين متكاسلين، بل كانوا بالفعل منتظرين شخصه المحبوب. حرصوا على أن يكونوا السابقين في الترحيب بمقدمه، أحسوا بأنه جدير بلقائهم، لذلك هان عليهم الانتظار، ولم تكن فترته سوى دقائق أو لحظات في نظرهم.
ونحن في انتظارنا لابن الله من السماء يجب ألا يحوطنا شيء من التغافل أو التهاون، وإذا ما كانت شركتنا الفردية على اتصال وثيق بالرب فلن يكون للتراخي والكسل مكان. خذ لذلك مثلاً زكريا الكاهن المذكور في (لوقا 1: 21) فإنه دخل القدس في الهيكل لكي يبخر عند مذبح الذهب؛ وكان كل جمهور الشعب في دار الهيكل الخارجية منتظرين خروجه ليعلن بركة الله عليهم طبقاً لعادة الناموس. لقد انتظروا أن يخرج زكريا ويكلمهم، وإن تعجبوا من إبطائه في القدس.
فهل عيوننا مثبتة نظيرهم على مسكن الله، ونحن منتظرون كل دقيقة أن يرفع الستار، فيخرج سيدنا غير المنظور الآن ويداه مبسوطتان ترحبان بنا لكي يأخذنا لنفسه؟ حتى ونحن في العالم، لا يزال إيماننا يسمع وقع أقدام الحبيب في الأقداس، وعبق رائحة البخور يخبر كل نفس منتظرة أن الرب قريب منا في حضوره المبهج العظيم.
وسيطلع علينا حبيبنا بطلعته سريعاً، نازلاً من أوج السماء، وسنسمع كلنا، كشخص واحد، صوته العذب الجميل، وسنرى سريعاً وجهه الصبوح وثغره الضاحك، وسيأخذنا سريعاً ويدخلنا إلى بيت خمره في الأعالى لنستريح إلى الأبد تحت علم محبته التي بلا حدود. إن دقات قلوبنا المتواصلة القوية، لتقول لنا إنه قد دنا الفجر البهيج الذي سينهى قصة اغترابنا وننتهى به إلى مجد الحبيب الأبدي!