"أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى" ( يوحنا 13: 1 )
لا شيء يستطيع أن يريح النفس من وطأة الشعور بالذنب إلا اكتشاف أن الشخص الذي أخطأنا في حقه، ويعرف كل خطايانا، قد صفح عنها تماماً. فبالرغم من ضرورة معرفتنا بما في قلوبنا من شر، إلا أن هذا وحده لا يجلب لنا الراحة. فقد نعرف خطايانا، وننوح عليها، وننكسر من أجلها، وتكون توبتنا صادقة؛ ولكن مع ذلك فإننا لا نشعر بالراحة والسلام إلا بعد أن يستعلن لنا المسيح في محبته ونعمته؛ وحينئذ نمتلئ بفرح عظيم إذ نكتشف أنه، مع علمه الكامل بكل خطايانا، لا يوجد في قلبه إلا المحبة من نحونا. إن راحتنا لا تنتج عن شيء في أنفسنا، بل من معرفتنا بما هو في ذاته. ولكي يتم لنا ذلك يجب أن نكون معه على انفراد. يا لها من لحظة مباركة في تاريخنا، تلك التي يختفي فيها كل إنسان من أمامنا، ولا نرى أحداً إلا يسوع وحده. وعندما نختلي معه، ونحن في حالة الشعور بخطايانا، نكتشف أنه يعرف كل شيء عنا، ونكتشف أيضاً أنه بالرغم من ذلك فإنه يحبنا.
والمرأة السامرية تصوِّر لنا هذه اللحظة بدقة، فلقد كشف لها الرب يسوع ما في قلبها وهي منفردة في حضرته، وأخبرها بكل ما فعلت، وبالرغم من ذلك فإنه أعلن لها عن نفسه كالمسيح المملوء نعمة وحقا إذ قال لها: "أنا الذي يكلمك هو (المسيح)". فوجدت كل أمورها مكشوفة في حضرة مسيح الله، الذي، بدلاً من أن يطردها، فإنه رحَّب بها، وكأنه يقول لها "تعالي إليَّ، أنا أعلم كل متاعبك، أعلم أنك وحيدة بسبب خطاياك التي جعلتك تخجلين من اصطحاب الأخريات، إلا أنني أرحب بك".
نحن نفرح بالنعمة التي سددت كل احتياجاتنا، ولكن كثيراً ما يكون فهمنا بطيئاً في معرفة أن ذلك الذي عفا عنا وغفر ذنبنا يريد صحبتنا. لقد أتى المسيح بالقرب منا لكي يمكِّننا من أن نقترب منه. عندما كان في عالمنا، اختار اثنى عشر تلميذاً "لكي يكونوا معه". ويقول الرسول عنه بعد أن ترك العالم "الَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا جَمِيعًا مَعَهُ (كنا أحياء أو راقدين عند مجيئه) " ( 1تس 5 : 10 )، أي أنه عندما يأتي ثانية لكي يأخذنا إليه، فذلك لكي نكون "كل حين مع الرب". فالمحبة أهّلتنا لأن نكون في صُحبته.